تفاصيل حرمان باخرة مغربية من نقل مغاربة الخارج
مع
حصل موقع "تيلي ماروك" على معطيات جديدة بخصوص رفض وزارة التجهيز والنقل منح الترخيص لمستثمر مغربي باستغلال خطوط بحرية بين ميناء طنجة المتوسط وميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا، رغم أزمة النقل البحري التي يعاني منها سنويا أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
وأوضحت مصادر مطلعة على هذا الملف المثير للجدل، أن المستثمر المغربي اقتنى باخرة تحمل اسم "الريف"، كانت مملوكة لشركة "كوماناف"، بعد مشاركته في المزاد العلني إلى جانب متنافسين آخرين، ورسا عليه المزاد بمبلغ 900 مليون سنتيم، وأسس شركة متخصصة للنقل البحري، بعدما عقد عدة لقاءات مع عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل، ونجيب بوليف، كاتب الدولة المكلف بقطاع النقل، حيث حصل على الملف، وشرع في إعداد الوثائق المطلوبة من طرف الوزارة، للحصول على الترخيص، كما قام بنقل الباخرة إلى أحد الموانئ الإيطالية من أجل إصلاحها وتجهيزها بأحدث التجهيزات، ما كلفه مبلغا ماليا يقارب 6 ملايير سنتيم.
لكن هذا المستثمر أصيب بالصدمة، بعدما تنكر له بوليف، الذي وعده سابقا بتسهيل الإجراءات الإدارية للحصول على رخصة استغلال الباخرة بين ميناء طنجة المتوسط وميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، قبل أن يفاجئه بضرورة انتظار إطلاق طلب عروض، والمشاركة فيه، وأخبره بأن الوزارة تنكب على إعداد دفتر للتحملات خاص بالنقل البحري، وهو ما زاد من معاناة هذا المستثمر، الذي أصبح مطالبا بأداء مبالغ مالية كبيرة مقابل الإفراج عن الباخرة من طرف السلطات الإيطالية التي قررت حجزها وتهديده ببيعها بالمزاد العلني، لأداء مستحقات الشركات التي قامت بإصلاحها وتجهيزها، بالإضافة إلى احتجاج ستة عمال مغاربة كانوا على متن الباخرة داخل أحد الموانئ الإيطالية، مطالبين بأداء تعويض مالي يقارب 300 مليون سنتيم لمغادرة الباخرة. وأمام هذا الوضع، خضع المستثمر المغربي لضغوطات شركات إيطالية فرضت عليه تفويت أسهم بالشركة المالكة للباخرة بنسبة 75 في المائة من رأسمالها، وذلك مقابل الديون المتراكمة عليه، فيما أصبح صاحب الباخرة لا يملك سوى 25 في المائة فقط.
وفي تبريره لرفض الترخيص لهذه الباخرة، كتب بوليف تدوينة، أكد من خلالها أن "الاستثمار في قطاع النقل البحري يتطلب احترافية عالية ورصيدا مهنيا معتبرا، وكذلك رأسمالا كافيا لمجاراة المنافسين والحفاظ على مردودية كافية للاستمرار"، مشيرا إلى أن الوزارة أطلقت عدة طلبات إبداء الاهتمام، لكن "لم نجد بعد من تتوفر فيه هذه المواصفات..."، موجها اتهامات لهذا المستثمر بترويج مغالطات منذ سنتين، وبأن "صاحب هذا الاستثمار يريد ترخيصا من الوزارة ليستعمله كورقة رأسمال ليخرج باخرته المشتراة بالمزاد العلني، والتي لم يتم أداء أجور مستخدميها لحد الآن"، كما هاجم برلمانيين أثاروا هذا الملف تحت قبة البرلمان، وقال: "جوابي واضح وصريح، هكذا أنا دائما، لا صداقات ولا علاقات عندما يتعلق الأمر بالصفقات العمومية ومصالح الدولة".
وأكد أحد البرلمانيين المعنيين، أن البرلماني من واجبه إثارة الانتباه للعراقيل التي تعترض ملفات الاستثمار، خاصة تلك التي تهم قطاعات استراتيجية وحساسة، وكأنه بذلك "يريد أن يفرض وصايته على مهام ممثلي الأمة"، وأضاف "علما أن المشرع أوكل لهم اختصاص مراقبة ومساءلة الجهاز الحكومي"، وطالب بوليف بالعودة بذاكرته قليلا للوراء، عندما كان يمارس المعارضة، حيث كان يتدخل في كل القضايا، ويطرح كل الملفات، ويراسل جميع المسؤولين عن كل الملفات التي يريد، متسائلا: "فبأي حق يمنع على الآخرين ما كان يبيحه لنفسه؟".
وأوضحت المصادر، أن بوليف، الذي يدعي أنه رفض الترخيص لهذا المستثمر المغربي باستغلال أحد الخطوط البحرية الرابطة بين موانئ شمال المملكة وجنوب إسبانيا، بعدما عمد هذا الأخير إلى اقتناء باخرة الريف من شركة كوماريت بعد إفلاسها، هو نفسه الذي سارع إلى السماح لشركة أخرى باستغلال نفس الباخرة ضمن أسطولها البحري بعد أن قامت بتوقيع عقد كراء مع تفعيل خيار شراء الباخرة مع المستثمر الذي كان ضحية "فيتو" غير مفهوم من طرف بعض الجهات، كما طلبت المصادر ذاتها من بوليف، "الذي يؤكد حرصه على تطبيق دفتر التحملات، وأنه لا يحابي أحدا"، أن يكشف للرأي العام "كيف حصلت شركة تحمل علما أجنبيا على ترخيص، ويديرها مغربي كان قد غادر شركة منافسة في ظروف غامضة"، رغم أنها لم تلتزم ببنود دفتر التحملات، وصدرت في حقها عدة قرارات من طرف السلطات بالموانئ الإسبانية، بعد أن سجلت عيوبا تقنية خطيرة من شأنها أن تهدد سلامة الركاب، كان أخطرها ضبط إحدى بواخر هاته الشركة تسير بمحرك واحد، ورغم ذلك تتوفر على ترخيص بالإبحار، علما أن الوزير السابق، عزيز رباح، كان قد رفض الترخيص لهاته الشركة، لكنها حصلت عليه في عهد الحكومة الحالية أمام استغراب الفاعلين في قطاع الملاحة التجارية.
وكشفت مصادر مطلعة على الملف، أن العديد من المستثمرين المغاربة يواجهون عراقيل على مستوى وزارة النقل، بخصوص طلبات الحصول على تراخيص النقل البحري، الذي تستحوذ عليه الشركات الإسبانية، خاصة أن من بين الأسباب التي تؤدي سنويا إلى مشاكل نقل أفراد الجالية من وإلى المغرب عبر الموانئ، هو غياب أسطول بحري مغربي، وذلك منذ إفلاس الهولدينغ البحري المغربي (كوماريت وكوماناف)، حيث اختل التوازن لفائدة الأسطول الأجنبي، الذي أصبح مسيطرا على حركة الملاحة التجارية بين المغرب وأوربا، وهو ما اكتوت بناره الجالية المغربية المقيمة بالخارج، حيث سبق لوزارة التجهيز والنقل أن رفعت شعار مغربة الأسطول البحري، لكن، ورغم مرور أزيد من خمس سنوات مازال الوضع على ما هو عليه، ولم يتمكن أي فاعل مغربي من الحصول على أي خط بحري، باستثناء شركة وطنية واجهت بدورها عراقيل قبل حصولها على رخصة استغلال خطوط بحرية مع شركاء يونانيين.