هذه أغرب الحوادث المأساوية التي أنهت حياة مشاهير وأثرياء وسياسيين مغاربة
مع
«يعرف الجميع أن إحدى أشهر حلقات سلسلة «جيمس بوند» العالمية التي صورت خلال سبعينيات القرن الماضي، قد جرى تصويرها في المغرب. لكن بعض الكواليس المرتبطة بالتصوير وإقامة فريق العمل الذي كان يتكون من مئات المهندسين والمصورين والتقنيين، بقيت بعيدة عن أعين الصحافة، ولم تُواكب إعلاميا في ذلك الوقت.
خلال أيام استراحة فريق العمل من التصوير، استأجر بعض التقنيين يختا لقضاء ساعات من الاسترخاء والهروب من أجواء العمل الشاق الذي فرضه مُخرج حلقة جيمس بوند التي صورت في أجواء ساخنة من مدينة ورزازات.
أصيب اليخت بعطل مفاجئ، بعد أن انحرف عن مساره ليضيع الفريق لساعات. ولم تنتبه إدارة الإنتاج لغياب الفريق إلا في صباح اليوم الموالي، ليتم إشعار المصالح الأمنية بالأمر، وكادت أن تعلن حالة طوارئ في المنطقة بعد انتشار خبر فقدان بعض العناصر من فريق الطاقم الذين لم يقضوا ليلتهم في الفندق ولم يتسلموا مفاتيح غرفهم.
أشعرت السلطات من مدينة أكادير، خصوصا وأن بعض أصدقائهم أخبروا إدارة الفندق وإدارة الإنتاج أن التقنيين تسللوا خفية من الإدارة وقاموا باستئجار يخت للقيام بجولة صيد في المحيط، لكنهم تأخروا كثيرا في العودة.
بعد ساعات من المسح، تم اكتشاف وجود اليخت الصغير بعد أن سحبه التيار جنوب أكادير».
حوادث وكوارث مميتة أنهت حياة مشاهير وأثرياء مغاربة
عندما اندلعت النيران في قلب اليخت الذي كان يستعمله المغني العالمي «ميتر جيمس» الذي يتمتع بشعبية كبيرة في المغرب، في عرض البحر على بعد كيلومترات قليلة من جزيرة كورسيكا، تعود إلى الأذهان قصص كثيرة لأثرياء مشاهير معروفين تعرضوا لحوادث مشابهة إما في المغرب، أو في الخارج ليتابعها المغاربة بكثير من الترقب.
«ميتر جيمس» الذي يُعتبر من أكثر الفنانين المنحدرين من أصول إفريقية شعبية في المغرب، اعتاد أن يقضي بعض عطله السنوية في المغرب أو رفقة مشاهير مغاربة كانوا خلالها يقيمون سهرات وحفلات في عرض البحر يحضرها رجال أعمال وأثرياء مغاربة. وهذا ما يفسر الاهتمام الكبير بالحادث في الإعلام المغربي.
سبق وأن تعرض أثرياء مغاربة لحوادث مشابهة، بعد اندلاع النيران في اليخوت المخصصة لتلك الاحتفالات والتي تكلف ملايين الدولارات لاقتنائها. واتُهم مرة أحد الأثرياء الفرنسيين من أصول مغربية، واسمه محمد بن ديبة، بمحاولة القيام بالتهرب الضريبي والنصب على شركة تأمين فرنسية بعد نجاته من حريق أتى على يخت صغير في مرفئ جنوب فرنسا سنة 2003. لكن المحكمة في الأخير رجحت كفة رجل الأعمال الفرنسي من أصول مغربية وحكمت لصالحه في ظل غياب إثبات قوي على وجود بوادر افتعال الحادث من طرف دفاع شركة التأمين.
مثل هذه الحوادث التي أودت بحياة مشاهير من مختلف الميادين، أسالت الكثير من المداد، ومنها من بقيت سرا بعيدا عن أي تناول إعلامي نظرا لحساسية مناصب ومراكز الذين مست عائلاتهم. بعض تلك الحوادث كان مقدرا، وبعضها كشف جوانب لم يكن أصحابها يريدون أن تصل إلى الرأي العام سواء بخصوص ثروتهم أو بسبب رغبتهم في الابتعاد عن فضائح قد يغرقون فيها إذا ما تسربت حياتهم الخاصة إلى الصحافة.
من بين الذين تألم الرأي العام لوفاتهم، الثري المغربي ورجل الأعمال الملياردير فريد برادة. ففي بداية شهر يناير 2013، استيقظ الرأي العام على وقع أخبار تؤكد تحطم طائرة صغيرة كانت تقل الملياردير المغربي رفقة زوجته وأبنائه في إحدى محطات التزحلق على الجليد في منطقة فرنسية معروفة بارتفاع القمم الجبلية، وحوادث تحطم المروحيات الصغيرة أيضا.
كانت فاجعة في صفوف رجال الأعمال المغاربة من أصدقاء برادة. وما زاد من حدة الألم لدى معارفه أن برادة كان يقود الطائرة الصغيرة بنفسه قرب مطار مدينة غرونوبل الفرنسية. وحسب التقارير التي نشرت في الإعلام وقتها فإن الأسرة المكونة من خمسة أفراد (برادة، زوجته وأبناؤه الثلاثة) فارقوا الحياة على الفور بسبب عنف الارتطام الذي تعرضت له الطائرة أثناء سقوطها.
حوادث منسية قلبت حياة مغاربة وأجانب من قدماء الأثرياء
كان تحطم طائرة صغيرة، تقودها راكبة وحيدة كانت شابة بريطانية في الخامسة والعشرين، على مشارف طنجة خبرا اهتز له المغرب والرأي العام البريطاني أيضا. كان الأمر يتعلق بابنة أحد كبار رجال الأعمال البريطانيين من أغنياء المستعمرات البريطانية في آسيا، انخرطت في نادي الطيران الذي تأسس في طنجة بعد 1909، وكانت منخرطة في نشاط الجمعية البريطانية التي تنظم رحلات أسبوعية لممارسي ومحبي الطيران. وكان حادث تحطم طائرة الشابة البريطانية التي كانت على مشارف الوصول إلى طنجة بعد أن نجحت في قطع البحر صوب المغرب، سببا في تعليق نشاط الجمعية لأشهر قبل أن تستأنف الرحلات من ذلك النوع.
كان ذلك الحادث أحد أوائل الحوادث التي بدأ المغاربة يعتادون على سماعها، والتي تتعلق بالأثرياء الأجانب والمغاربة أيضا.
كانت الحياة الخاصة لهؤلاء الأثرياء وقصصهم محط اهتمام كبير من الرأي العام المغربي. وفي وقت لم يكن هناك فيه إعلام ولا رأي عام، وبالكاد كان العامة يهتمون بشؤونهم الخاصة ويلاحقون، كانت أخبار الأعيان المغاربة وأبنائهم تصل إلى المغاربة بعد أن تضاف إليها الكثير من البهارات.
أحداث تجمع بين القضاء والقدر من جهة، وبين التهور وحياة الثراء من جهة أخرى كلها غيّرت حياة أناس لم يكونوا مثل البقية.
بعض الحالات كانت تفاصيل الحوادث التي غيرت حياة أصحابها إلى الأبد أو أنهتها نهائيا، ظلت بعيدة عن الأضواء، وربما اختار أصحابها أو ذويهم أن تبقى كذلك، لكنها بطريقة أو بأخرى أصبحت متداولة في الجلسات الخاصة ولم تعد ملكا لأصحابها وحدهم.
عاش بعض الأثرياء والنافذين المغاربة، في تسعينيات القرن الماضي، لحظات عصيبة بسبب حوادث كشفت الحياة الباذخة التي كانوا يعيشونها هم وأبناؤهم وهو ما جعل السؤال حول مصادر ثروة بعضهم يتردد ولو همسا في بعض المجالس. خصوصا حالات الموظفين الذين كبروا في ظل الوزراء النافذين، وجلهم كبروا في ظل إدريس البصري، وأصبحوا أثرياء في أزمنة قياسية.
بالعودة إلى الماضي، فإن أقصى مغامرة قد يقدم عليها ثري أو ابن وزير مغربي هي أن يحاول الحصول على جهاز تلفون أو سيارة سنة 1912. لقد كان مجرد قيادة أبناء الأثرياء المغاربة للسيارات، كارثة في حد ذاتها. لكن ما وقع في الأيام الأولى لوصول المولى يوسف إلى السلطة، أنه خضع لرأي بعض العلماء المقربين منه، وكانوا متعصبين، وسمح لهم بتكوين لجنة مصغرة من بعض الذين يثقون في «أخلاقهم» وباغتوا عددا من موظفي الدولة وأغنياء الرباط، وصادروا عددا من المقتنيات. حتى أن مرآة كبيرة مزخرفة بالطريقة الأوروبية صودرت من صاحبها واعتبرت ترفا في وقت كانت البلاد تمر بأزمة اقتصادية خانقة، وبخزينة فارغة تماما.
لم يستطع هؤلاء معاقبة الوزراء الذين كانوا يتوفرون على جهاز هاتف، فحتى المولى يوسف أخبرهم أن للاختراع مزايا كبيرة، أهمها أنه يلغي المسافة بين فاس والرباط ويجعل عملية التواصل التي كانت تستغرق أسابيع من الانتظار. وهكذا أعفي الكثيرون من عقوبة استعمال الهاتف، لكنهم عوقبوا بتهمة التوفر على آلات للموسيقى وآلات تصوير، وتردد في أوساط العلماء أنهم يتعاطون مع «الكُفر» ولجؤوا إلى دعم القاعدة الشعبية من الفقراء الغاضبين، ليتحول الأمر إلى غضب عارم.
لقد كانت هذه هي بداية الحياة السرية للأثرياء المغاربة، ومع مرور السنوات تطورت الأمور لكي يعيش المغاربة إيقاعا مختلفا تماما عن هذه «المحاولات».
عندما أرسل المغرب مروحية لإنقاذ أصدقاء «جيمس بوند» من الغرق في عرض المحيط
يعرف الجميع أن إحدى أشهر حلقات سلسلة «جيمس بوند» العالمية التي صورت خلال سبعينيات القرن الماضي، قد جرى تصويرها في المغرب. لكن بعض الكواليس المرتبطة بالتصوير وإقامة فريق العمل الذي كان يتكون من مئات المهندسين والمصورين والتقنيين، بقيت بعيدة عن أعين الصحافة، ولم تُواكب إعلاميا في ذلك الوقت.
خلال أيام استراحة فريق العمل من التصوير، استأجر بعض التقنيين يختا لقضاء ساعات من الاسترخاء والهروب من أجواء العمل الشاق الذي فرضه مُخرج حلقة جيمس بوند التي صورت في أجواء ساخنة من مدينة ورزازات.
أصيب اليخت بعطل مفاجئ، بعد أن انحرف عن مساره ليضيع الفريق لساعات. ولم تنتبه إدارة الإنتاج لغياب الفريق إلا في صباح اليوم الموالي، ليتم إشعار المصالح الأمنية بالأمر، وكادت أن تعلن حالة طوارئ في المنطقة بعد انتشار خبر فقدان بعض العناصر من فريق الطاقم الذين لم يقضوا ليلتهم في الفندق ولم يتسلموا مفاتيح غرفهم.
أشعرت السلطات من مدينة أكادير، خصوصا وأن بعض أصدقائهم أخبروا إدارة الفندق وإدارة الإنتاج أن التقنيين تسللوا خفية من الإدارة وقاموا باستئجار يخت للقيام بجولة صيد في المحيط، لكنهم تأخروا كثيرا في العودة
بعد ساعات من المسح، تم اكتشاف وجود اليخت الصغير بعد أن سحبه التيار جنوب أكادير، وتدخلت مصالح الدرك الملكي التي حققت على الأرض لمعرفة آخر مكان ظهر فيه فريق التقنيين، ليتم إشعار عناصر البحرية الذين تجندوا لإرشاد الفريق وسحب اليخت الصغير بعد اكتشاف وجود عطل في المحرك، وخرم في مؤخرة اليخت كان ممكنا أن يؤدي إلى غرقه وسط المحيط لولا التدخل في الوقت المناسب.
عاقبت إدارة الإنتاج المعنيين لأنهم عرقلوا برنامج التصوير اليومي لفيلم «جيمس بوند» وتم استبدالهم بآخرين قدموا على وجه السرعة من لندن ووقعوا عقود عمل في الفندق قبل أن يتم نقلهم من الدار البيضاء إلى أماكن التصوير في الجنوب. وحرصت الإدارة على ألا يتسرب الموضوع إلى الصحافة حتى لا يؤثر على مجريات التصوير، وفعلا بقي الأمر بعيدا عن الأضواء ولم يتطرق له أحد إلا بعد مضي سنوات طويلة على تلك الواقعة، وتم استحضارها في إطار الذكريات الخاصة بمصورين وتقنيين ومهندسي الصوت الذين اشتغلوا في إنتاج حلقات «جيمس بوند» حول العالم.
الملك الحسن الثاني يعطف على عائلة مهندس مغربي مات محترقا بأمريكا
تعود هذه الواقعة إلى ماي سنة 1982. وكان وقتها الملك الراحل الحسن الثاني في زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية للقاء الرئيس الأمريكي وقتها رولاند ريغن بخصوص القمة العربية، حيث كان مزمعا أن يلتقي الرئيس الأمريكي مجموعة من الزعماء والقادة العرب في إطار القمة التي كان يترأسها الملك الحسن الثاني وناب عن بقية الرؤساء العرب في الحديث إلى ريغن بشأن توصياتها
لكن ما جرى في الكواليس، أن الملك الحسن الثاني عندما وصل إلى مقر إقامته بعد انتهاء لقائه بالرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض، وجد عائلة مغربية في انتظاره. اعتقد مرافقو الملك الحسن الثاني ومستشاروه والأمن الخاص أن الأمر يتعلق بمواطنين من الجالية المغربية ممن كانوا في العادة يراقبون تحركات الملك الحسن الثاني في الخارج ويأتون لتحيته من بعيد.
لكن سرعان ما اتضح أن العائلة المغربية التي كانت تقف على بعد أمتار فقط من بوابة الإقامة بعد أن منعهم الأمن الخاص من الوقوف في بوابتها رغم أنها كانت إقامة خاصة تُسير على طريقة الفنادق المصنفة، ولم يكن ممنوعا دخول ردهتها على الخواص. إلا أن الاحترازات الأمنية كانت مشددة بحكم إقامة الملك الحسن الثاني بها أيام زيارته إلى الولايات المتحدة.
عندما رفضت الأسرة مغادرة المكان انتبه الملك الحسن الثاني إلى أن هناك أمرا يجري في مقدمة موكبه، وأعطى الأمر بإدخال الأسرة إلى داخل الإقامة لكي يلتقيها الملك ويستمع إليها.
اكتشف الملك الحسن الثاني، بحضور مرافقيه ومنهم مدير مكتبه الخاص عبد الفتاح فرج، بالإضافة إلى مولاي حفيظ العلوي مدير التشريفات، أن الأمر يتعلق بسيدة أمريكية فقدت زوجها المغربي سنة 1979 في مأساة حريق شب في منزلهما، عندما كانت هي والأبناء يقضون عطلة قصيرة في المغرب تعذر عليه مرافقتهم خلالها بسبب التزاماته المهنية. ومن وقتها والأسرة تعيش أوضاعا نفسية صعبة خصوصا وأن السيدة الأمريكية وأبناؤها الأربعة لم يستفيدوا من تعويض كاف من مصالح التأمين على المنزل، بحكم أن الزوج المغربي لم يكن يتوفر على تأمين ضد الحرائق.
لكن السيدة لم تكن هناك لتطلب المال من الملك الراحل، وإنما طلبت منه أن يتدخل لكي يسرع وتيرة اشتغال السفارة المغربية في الولايات المتحدة لكي تحصل على وثائق إدارية لتعوض بها الوثائق التي أتلفت في الحريق، والتي حالت دون أن يُدفن جثمان زوجها المحترق في المغرب كما طلبت والدته. وبسبب عدم توفر الأسرة على الوثائق، لأن الزوج لم يكن يحمل الجنسية الأمريكية، تعذر نقل الجثمان إلى المغرب.
وعد الملك الحسن الثاني زوجة المهندس المغربي المتوفى بحصولها على كل ما تحتاجه من وثائق قبل أن تغادر البناية وتم الاتصال بمصالح الخارجية على الفور لكي تتدبر الموضوع.
قصة المهندس المغربي أثرت كثيرا في الملك الراحل الحسن الثاني، إلى درجة أنه في آخر زيارة له للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995، أمر مهندسا مغربيا كان يعمل وقتها في «بوينغ» الأمريكية ألا يُقبل يده عند السلام عليه وأخبره أنه فخور جدا بما حققه مواطنون مغاربة في الولايات المتحدة الأمريكية رغم عدم تسليط الضوء على نجاحاتهم في بلاد العم سام.
عندما صاح إدريس البصري في وزراء: «ربّيو ولادكم»
عُرض مرة على الملك الراحل الحسن الثاني، خلال سنة 1993، ملف لقضية شجار نشب بين ابن سياسي مغربي سابق، من أصدقاء الملك الراحل ورفاقه في الدراسة، وبين ابن جنرال جزائري. المشادة وقعت في أحد الملاهي الليلية في باريس بعد أن تبادل الشابان الشتائم قبل أن ينسحبا خارج الملهى ويُكملان المواجهة بينهما وتحضر عناصر الشرطة الفرنسية لتعتقلهما.
كبر الملف عندما حازت الشرطة على سلاح ناري بدون ترخيص لدى أصدقاء أحد الطرفين، لم يحدد تقرير الشرطة الفرنسية أيهما تحديدا. وفور معرفة هوية الموقوفين، حتى تحركت الهواتف وسرعان ما وصل الخبر إلى أحد موظفي الملحق الإعلامي المغربي في السفارة الفرنسية، الذي استقبل مكالمة من صحافي فرنسي كان يريد الحصول على تأكيد من السفارة بخصوص هوية الموقوف المغربي، لكنه وجد أن الموظف لم يكن يعرف أي تفاصيل عن الواقعة. وبمجرد بدء الاتصالات للتأكد حتى، صار الخبر في علم جل موظفي السفارة باستثناء السفير ومدير مكتبه اللذين كانا في عطلتهما السنوية، بحكم أن الحادث تزامن مع أعياد الميلاد، وكان جُل ممثلي الوفد الدبلوماسي المغربي خارج فرنسا لقضاء العطلة.
وصل الخبر على وجه السرعة إلى الرباط في اليوم الموالي، لكن الملك الراحل الحسن الثاني فور علمه بالموضوع من مصالح الخارجية حتى أعطى الأمر بعدم التدخل نهائيا في الواقعة.
لم يكن الأمر مرتبطا بغضب ملكي بقدر ما كان مرتبطا بواقع أن والد الشخص المعني بالحادث، كان من الذين تم إبعادهم عن القصر الملكي. وصل الملف إلى الملك الراحل الحسن الثاني بسبب ملفات فساد برز فيها اسم صديقه السابق، ليُطلب من الأخير بواسطة التشريفات والأوسمة ألا يحضر في المناسبات الخاصة التي يقيمها الملك إلى إشعار آخر. وفهم الشخص المعني الرسالة.
كانت تلك طريقة معروفة عند الملك الراحل الحسن الثاني لإبعاد الذين لم يكن راضيا عن سلوكهم أو الذين حاولوا استغلال موقع قربهم منه لقضاء مصالحهم الشخصية. وكثيرون طبعا من احتكوا بالملك الراحل خلال مراحل مبكرة من حياته سواء أثناء الدراسة أو الصداقات التي أنشأها مع أبناء الأعيان الذين كانوا أصدقاء والده الملك الراحل محمد الخامس. لكن تلك الصداقات لم تستمر، ومنها من تجمدت تماما.
خلفت الواقعة ردود أفعال متباينة في الرباط، حتى أن بعض أصدقاء الملك الراحل، ومنهم الفقيه بنبين، فكروا في استعطاف الملك لكي يتدخل من أجل رفيقه السابق، لكي يُطلق سراح الابن من قبضة الأمن الفرنسي أو يُطوى الملف. لكن الملك الحسن الثاني وقتها أجاب مستشاريه وجلساءه بالقول إن على كبار البلد وأغنيائه أن يُحسنوا تربية أبنائهم حتى لا يقعوا في المحظور.
لكن الطريف أن بعض السياسيين والبرلمانيين والوزراء كانوا في منزل إدريس البصري في تلك الفترة، أياما بعد الواقعة، وسألوه عن صحة ورطة صديق طفولة الملك الحسن الثاني، فأجاب البصري بطريقة ذكية كانت في الحقيقة مراوغة لم يقدم خلالها أية توضيحات عن الملف ولا حقيقة موقف الملك الراحل منه، ليقول للحاضرين: «قال ليكم سيدنا ربّيو ولادكم».
ارتباطا بالواقعة، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الإعلام الفرنسي الذي تناول الواقعة سنة 1993، لم يشر نهائيا إلى الصداقة التي كانت بين والد الشاب الموقوف وبين الملك الراحل الحسن الثاني، ربما جهلا بماضي الرجل الذي أقام في فرنسا مدة طويلة اعتبره الفرنسيون على أنه رجل أعمال مغربي مستقر في المغرب، وكانت في الحقيقة تربطه صداقة كبيرة بالثري المغربي «جو أوحنا» خلال فترة الستينيات والسبعينيات، قبل أن يُصبح الأخير برلمانيا عن مدينة الصويرة، ويقطع علاقات كثيرة لم تجر عليه إلا المتاعب.
مجلات عالمية اتهمت أبناء أثرياء مغاربة بالتهور
في صيف سنة 1999، أسابيع فقط قبل وفاة الملك الحسن الثاني، كان فريق من أبناء الأثرياء المغاربة المسجلين في مدارس البعثة في الرباط يقضون عطلة مُريحة في بريطانيا.
بينما كان فوج آخر من الصغار دون 15 سنة، يقضون عطلة أكثر هدوء في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث كانت العادة أن تنظم مدارس البعثة في الرباط رحلات للتلاميذ مغاربة وأجانب، إلى دول أوربية بالإضافة إلى أمريكا للاحتكاك أكثر بثقافات تلك الدول.
بحكم أن جل أبناء المغاربة الذين درسوا في البعثة كانوا من أبناء الوزراء والأثرياء المغاربة، فإن مؤطريهم كانوا يجدون مشاكل كثيرة في التعامل معهم بحكم خلفية طبيعة مناصب آبائهم والمراكز التي يشغلونها في الدولة.
في بريطانيا كانت النوادي الليلية تبقى مفتوحة حتى ساعات الصباح الأولى في وجه من كانوا يحملون بطائق تعريف تسمح لهم باستهلاك المواد الكحولية. وكان بعض المشاركين في الرحلة دون السن القانوني، لكنهم حاولوا في إحدى المرات التسلل إلى أحد أفخر النوادي الليلية في العاصمة البريطانية لندن، ليتم توقيفهم والاتصال بالقائمين على رحلتهم إلى المغرب، ليطوى الموضوع بعد إشعار مرافقيهم لرجال الأمن الخاص بالملهى أن الأمر يتعلق بأبناء مسؤولين مغاربة كبار. وإحدى المجلات المتخصصة في فضائح المشاهير في لندن، نشرت مقالا صغيرا في صفحة داخلية مفاده أن أبناء مسؤولين كبار في المغرب تسببوا في قلق لرواد ملهى ليلي فخم بسبب عرقلة عملية دخولهم من البوابة لأنهم أرادوا دخول المكان بالقوة رغم أن من بينهم قاصرين دون السن القانوني.
لم يحظ الحادث بأي اهتمام رسمي لأن المغرب وقتها كان مشغولا بمرض الملك الحسن الثاني، ولم تمض إلا أياما قليلة حتى أعلن خبر وفاته لتدخل البلاد في حداد رسمي، اضطر معه مسؤولون مغاربة كثر إلى قطع عطلهم وسفرياتهم والعودة على وجه السرعة إلى المغرب.
في عواصم أوربية كثيرة، كان أبناء الأثرياء المغاربة سببا في تناول الصحافة لحياتهم الخاصة والتنديد ببعض الممارسات الخارجة عن القانون التي كانوا يقترفونها شأنهم شأن أبناء شخصيات مرموقة في فرنسا أيضا.
أحيانا كانت بعض الوقائع غائبة تماما عن أي تناول إعلامي وغطيت حتى لا تصل شظاياها إلى الصحافة، حفاظا على هدوء العلاقات الدبلوماسية من جهة، خصوصا إذا كان المعني ابن شخصية معروفة، وحفاظا على رغبة بعض المسؤولين في بقاء الأمر سرا حتى لا تنتقل شرارته إلى المغرب.
وحدث أن إدريس البصري كان يتوصل أحيانا كثيرة ببعض التفاصيل المتعلقة بقصص من هذا النوع، لكنه كان يستعملها ضد خصومه على وجه الخصوص، ويطمئنهم إلى أنه لن يشعر الملك الحسن الثاني بوقوعها، وطبعا كانت تلك طريقة الوزير في الإمساك بأعناق من يرى أنه يجب عليه ترويضهم، خصوصا مسؤولي الدولة الذين عمل على اقتراحهم بنفسه في التعيينات. إذ كان معروفا أن مسؤولين مغاربة كثر كانوا مدينين لإدريس البصري بمساراتهم في السياسة والأعمال، وأنه فتح أمامهم الكثير من الأبواب لكي يصبحوا على ما هم عليه من الثراء.
بالإضافة إلى أن بعض الأثرياء المغاربة الذين فضلوا الابتعاد عن السياسة والتفرغ للمال والأعمال والاستثمارات في الخارج، حصلوا على امتيازات من الوزير القوي وفتحت لهم أبواب الإدارات بما فيها الجمارك، فقط لأنهم كانوا يظهرون رفقة إدريس البصري أو لأنه رفع السماعة لأجلهم لكي تفتح لهم جميع الأبواب الموصدة. لذلك كانوا يحرصون على الاحتفاظ بعلاقة جيدة معه لم يكن يكدر صفوها ربما إلا حماقات أبنائهم التي بدا لوهلة أنها لا تنتهي.
غضب الملك الحسن الثاني سنة 1980 كثيرا لأنه طالع مرة في صحيفة فرنسية مقالا عن مواطن مغربي عجز عن تنفيذ حكم قضائي لصالحه في المغرب، ورحل إلى فرنسا حتى لا يطوله تهديد أحد أبناء الأعيان. واستغل زيارة الملك الحسن الثاني إلى فرنسا لكي يُنزل مقالا عن قصته في «لو موند» التي كان الملك الحسن الثاني يطالعها بكثرة، لينتبه الملك الراحل إلى قصة الرجل ويعطي الأمر فورا من باريس لكي يتم تنفيذ الحكم، وإيقاف تعنت أبناء مسؤولين مغاربة في الدولة كانوا يعيشون فوق القانون.