انفراد.. هذه تفاصيل السياسة الجنائية الجديدة
مع الأخبار
قدم وزير العدل، محمد بنعبد القادر، عرضا حول السياسة الجنائية، أمام مجلس الحكومة المنعقد أول أمس الخميس، استعرض من خلاله مظاهر الأزمة والاختلالات الأساسية التي تعرفها السياسة الجنائية المعتمدة بالمغرب، كما قدم الوزير عددا من مرتكزات تحديث السياسة الجنائية وخاصة المرجعية الدستورية والتوجيهات الملكية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والحوار الوطني لإصلاح العدالة، والمواثيق الدولية.
ومن تجليات أزمة السياسة الجنائية، حسب وزير العدل، قدم المنظومة الجنائية، حيث تعود مجموعة القانون الجنائي إلى سنة 1962 إلى جانب العديد من النصوص التشريعية الزجرية الخاصة الناظمة لمجالات حيوية التي ترجع إلى حقبة الحماية تغيرت بشأنها المفاهيم والتوجهات بشكل لافت في العديد من التشريعات المقارنة، علما أن بعض التشريعات الجنائية الحديثة أصبحت تتطلب أيضا مراجعة، كقانون المسطرة الجنائية لسنة 2002 ليستجيب للتطورات وليجد حلولا للعديد من الإشكالات التي تعترض السير الأمثل للعدالة الجنائية ببلادنا، وكذلك تضخم عدد النصوص القانونية الزجرية، حيث يتزايد بشكل لافت عدد النصوص الزجرية الخاصة في الساحة القانونية المغربية إلى درجة أصبح يتعذر معها استيعابها من طرف الممارسين في إطار مقاربة غير سليمة تقوم على المقاربة الزجرية كحل لجميع المخاطر المطروحة، إذ لا يخلو أي نص قانوني خاص من مقتضيات زجرية بغض النظر عن طبيعة مجال تدخله، كما يعاني القضاء الجنائي المغربي من تضخم عدد القضايا، إذ ترزح المحاكم المغربية تحت وطأة أطنان من الملفات الزجرية يتراوح عددها سنويا ما بين مليون ومليون ونصف مليون قضية من أصل ثلاثة ملايين قضية تسجلها المحاكم ما بين قضايا زجرية ومدنية وتجارية وإدارية، خاصة أن الثلثين من القضايا الزجرية يعتبر قضايا بسيطة يمكن أن تجد لها حلولا خارج نظام العدالة الجنائية في إطار مساطر بديلة.
ومن مظاهر الأزمة كذلك، ارتفاع نسب حالة العود إلى الجريمة (خاصة جرائم السرقة والمخدرات والعنف)، وعدم التوفر على آلية للضبط الدقيق لظاهرة العود إلى الجريمة (سواء من حيث نوع الجرائم- جنس المجرم وسنه-التوزيع الجغرافي)، وغياب مقاربات جذرية لمعالجة حالة العود (مقاربة علاجية تأهيلية إدماجية)، وغياب دراسات وأبحاث علمية حول حالة العود إلى الجريمة بالمغرب، كما وقف الوزير على غياب أجهزة مساعدة للآليات التقليدية للعدالة الجنائية، دون التفكير في خلق آليات مساعدة تسهم في رسم معالم سياسة جنائية فعالة كما هو معمول به في العديد من الأنظمة الجنائية الكبرى كالمرصد الوطني للإجرام ومراكز العلاج والتأهيل والخدمة النفسية ووكالات تدبير الممتلكات المحجوزة والمصادرة والبنك الوطني للبصمة الجينية، تنضاف إلى ضعف الالتقائية بين السياسة الجنائية وباقي السياسات العمومية للدولة لإيجاد ردود فعل قوية لاحتواء بعض الظواهر الإجرامية لأن أغلبها يبقى مرتبطا بأسباب اجتماعية واقتصادية.
وأكد الوزير، أن الاعتقال الاحتياطي ظل من بين أكثر المشاكل التي أرقت بال السياسة الجنائية المغربية على الدوام، من خلال ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين التي لم تقل منذ سنوات عن 40 % من مجموع الساكنة السجنية رغم المجهودات المبذولة بهدف ترشيد الاعتقال الاحتياطي، كما تطرق إلى عدم نجاعة العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة، وأوضح أن العقوبات السالبة للحرية خاصة القصيرة المدة، تعد من أهم الإشكالات التي يعاني منها الوضع العقابي القائم، حيث بلغ مجموع عدد المعتقلين الصادرة في حقهم عقوبات سالبة للحرية بسنتين فأقل، ما مجموعه 40286 معتقلا من أصل 82361 من عدد الساكنة السجنية، أي بنسبة 48٬91 % موزعة بين 39443 من الذكور و843 من الإناث، مشيرا إلى أن هذا الوضع العقابي القائم يسهم بشكل كبير في اكتظاظ المؤسسات السجنية في ظل غياب بدائل حقيقية للعقوبات المذكورة وما يترتب عن ذلك من تأثير سلبي على ظروف الاعتقال وأنسنته وبرامج التأهيل وإعادة الإدماج ووظيفة العقوبة المعاصرة خاصة أن العقوبات القصيرة لا تحقق في أغلب الأحوال الردع المطلوب.
وحسب بنعبد القادر، فإن الآفاق الجديدة للسياسة الجنائية الجديدة تقوم على مرتكزات قوية ومرجعيات متعددة وطنية ودولية، كما تطمح إلى رسم ردود وأجوبة فعالة للمشاكل المطروحة والسعي نحو نهج سياسة جنائية متكاملة وناجعة، وأشار إلى أنه إيمانا بأهمية التشريع كأداة رئيسية لوضع معالم وتوجهات السياسة الجنائية، بادرت وزارة العدل إلى وضع مخطط تشريعي متكامل في الميدان الجنائي يروم من جهة إلى سد مكامن القصور ومن جهة ثانية إلى استشراف آفاق جديدة للسياسة الجنائية المغربية، وفي هذا الصدد، سيتم تجريم بعض السلوكات والأفعال الماسة بالحقوق والحريات، من خلال مراجعة فلسفة القانون الجنائي نحو تكريس الموازنة بين سياسة التجريم والعقاب كآلية للضبط الذاتي وحماية المصالح الأساسية وبين حماية الحقوق والحريات الفردية وفق ما كرسته الالتزامات الدولية والدستور الوطني، وتكريس مجموعة من الضمانات والآليات الحمائية أثناء مراجعة مشروع قانون المسطرة الجنائية.
وفي مجال القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، سيتم إدراج جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ملاءمة مع اتفاقيات جنيف الأربعة المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني ونظام روما الذي يشكل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، من خلال تجريم الارتزاق، وتجريم الاختفاء القسري، وتجريم تهريب المهاجرين، وفي مجال حقوق المرأة والطفل، سيتم تجريم ترك وإهمال الواجبات الزوجية، وتجريم الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وتجريم الإكراه على الزواج، وتجريم تبديد الزوج لأمواله للتحايل على مستحقات النفقة أو السكن أو المستحقات المترتبة عن إنهاء العلاقة الزوجية أو اقتسام الممتلكات، كما سيتم تجريم الإضرار بحرية المنافسة وحرية الولوج إلى الصفقات العمومية.
كما ستتم إعادة تنظيم مقتضيات التعذيب ووضع آليات للوقاية منه، وذلك بعدم حصر التعذيب على التعذيب المرتكب من طرف الموظف العمومي وتخصيص فرع مستقل به، وإلزامية إخضاع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية لفحص طبي إذا لوحظ عليه مرضا أو علامات أو آثارا تستدعي ذلك، تحت طائلة اعتبار اعتراف المتهم المدون في محضر الشرطة القضائية باطلا في حالة رفض إجراء الفحص الطبي، ووضع إطار قانوني وتنظيمي لتغذية الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية والأحداث المحتفظ بهم، وتعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية (وجوب قيام الوكيل العام للملك بزيارة أماكن الإيداع إذا بلغ باعتقال تعسفي أو عمل تحكمي)، بالإضافة إلى إخراج مشروع قانون الطب الشرعي، وإحداث السجل الإلكتروني للحراسة النظرية.