حزب الصالونات
مع
لم يكن يتوقع علال الفاسي وأحمد بلافريج ومحمد بوستة ومحمد الدويري وعبد الكريم بنجلون، وهم يؤسسون أب الأحزاب المغربية لمواجهة الاستعمار والمساهمة في بناء الدولة الوطنية المستقلة، أن يصل الضعف والهوان بحزب الاستقلال إلى ما يعيشه اليوم، وأن يخرج من صلبه قادة شعبويون وانتهازيون، مثل حميد شباط الذي حول الحزب إلى شركة مناولة مدرة للربح والاغتناء السريع في سوق السياسة.
وبعدما كان حزب الاستقلال، برواده التاريخيين وإنتاجاتهم الفكرية، سلطة معنوية ورقما أساسي في ضمان توازن المشهد السياسي لعقود، تحول أخيرا إلى عبء سياسي ثقيل وتلميذ كسول ينتظر أن يجود عليه الوافدون ببعض بقايا السياسة. وأصبح أقدم الأحزاب شيخا هرما بدون أنياب سياسية، بنقابة تقاوم مصير الاندثار وفريق برلماني تحول إلى شبح لا يرى بالعين المجردة، بعدما كان فريق الاستقلال يحسب له ألف حساب حينما تطأ أرجل الوزراء قبة البرلمان، ويفرض قواعد المعارضة على الحكومات المتعاقبة وجميع الجهات الفاعلة في الحقل السياسي.
أما صحافة الحزب فأصبحت مقراتها تباع في المزاد العلني، بعدما ماتت جريدة الحزب التي خرج من رحمها جل مثقفي وكتاب وصحافيي المغرب المعاصر.
من المؤكد أن حزب سيدي علال يمر من حالة ركود انتخابي وسياسي وعجز في طبيعة الخطاب السياسي وأسلوبه ولغته، بسبب تداعيات مرحلة شباط التي قادت الحزب إلى مرحلة التآكل من الداخل، بعدما تحول إلى حزب غير قادر على قراءة التطورات التي تحصل ببلادنا، ليجد نفسه خارج سياق التأثير ولا يعول عليه لقيادة معارضة ناجحة ضد حكومة "البيجيدي".
وبعد التخلص نسبيا من إرث شباط، سقط حزب الاستقلال في معضلة جديدة، صحيح أنه خرج من نفق الشعبوية المظلم الذي أدخله فيه شباط ومن معه، لكنه ارتمى في ردهات الصالونات النخبوية المخملية التي لا تتماشى مع ثقافة وتاريخ الحزب. فالقادة الجدد يعتقدون أن إعادة الاعتبار لحزب "الميزان" تقتضي تحويله إلى مكتب دراسات أو مندوبية للتخطيط، يعلن بين الفينة والأخرى عن أرقام ومعطيات محرجة للحكومة، وهو بهذه الطريقة يعيد السباحة في النهر مرتين.
على حزب الاستقلال أن يدرك أن ضعف النسق السياسي الحزبي من ضعفه والعكس صحيح، فلا خريطة سياسية ترسم في المغرب بدون حزب الاستقلال، ولذلك، فإن استمراره بالهجانة الحالية فيها ضرر كبير للسياسة التي دخلت غرفة العناية المركزة.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية