من محاربة الفساد إلى "عفا الله عما سلف".. أين تبخرت وعود "البيجيدي" ؟
مع
يقدم رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، حصيلة نصف ولايته الحكومية في جلسة مشتركة سيعقدها مجلسا النواب والمستشارين، اليوم الاثنين. وتتزامن هذه الجلسة مع مرور ثماني سنوات قضاها حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة السابقة والحالية، وهناك شبه إجماع على أن حكومة «البيجيدي» لم تنجح في تحقيق أي خطوة في مسار الإصلاحات الكبرى التي أعلن عنها، رغم الصلاحيات الكبيرة التي منحها الدستور لرئيس الحكومة لم يسبق أن تمتع بها أي وزير أول في تاريخ المغرب، لكن الحصيلة تبدو هزيلة جدا مقارنة مع حجم الانتظارات التي رافقت تعيين أول حكومة يقودها الحزب بعدما حقق فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر من سنة 2011، حيث قدم الحزب وعودا غير مسبوقة في برنامجه الانتخابي وفي البرنامج الحكومي وفي خطابات قادته، كلها مازالت حبرا على ورق، أو تم التراجع عنها، فهل تحول الكذب إلى برنامج سياسي؟
خلال الأسبوع الماضي، تابع الرأي العام باندهاش كبير، كيف اعترف وزيران ينتميان إلى حزب العدالة والتنمية بالكذب على المغاربة، من خلال الإقرار بفشلهم في تحقيق الوعود التي قدموها قبل سنة فقط، دون الحديث عن الوعود التي قدمها الحزب الحاكم في برنامجه الانتخابي، سواء في الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2011، والتي أوصلته إلى قيادة أول حكومة في تاريخه، وهي الوعود نفسها التي تكررت في البرنامج الانتخابي للحزب، سنة 2016، وتمت ترجمتها في برنامج الحكومة السابقة والحالية، لكن، بعد مرور حوالي ثماني سنوات، من حق المغاربة أن يستفسروا عن مصير هذه الوعود، خاصة أن جل التقارير الصادرة عن المؤسسات الوطنية والدولية، تؤكد تدهور الوضع على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية، حيث لم تنجح الحكومة في تحقيق أي خطوة في مسار الإصلاحات الكبرى التي أعلن عنها، فكل الملفات التي حاولت الاقتراب منها، مازالت على حالها، كما أن الحكومة لم تتمكن من الالتزام بمضامين البرنامج الحكومي، حيث اعتبر هذا البرنامج على سبيل المثال الشغل ومحاربة البطالة أولوية الحكومة بامتياز وذلك بهدف تخفيض معدل البطالة إلى 8 في المائة، ووعدت الحكومة بتعزيز الإطار المؤسساتي لسياسة التشغيل وتطوير الإجراءات الإرادية للتشغيل وتدعيم قدرات رصد وتحليل وتقييم سوق الشغل، كما دخلت «الإصلاحات الكبرى» التي تم الإعلان عنها في البرنامج الحكومي إلى قاعة الانتظار، بعد إهدار الكثير من الزمن لمعالجة الأزمات التي تندلع داخل البيت الحكومي.
وعود كاذبة
عوض وضع إصلاحات هيكلية كما وعدت بذلك، لجأت حكومة «البيجيدي» إلى المواطن الذي تعتبره بمثابة الحائط القصير، لتمرير قرارات صعبة تستهدف قدرته الشرائية، نتيجة اختلالات في التدبير أو عدم إنجاز بعض المشاريع الاستثمارية التي كلفت خزينة الدولة، الملايين من الدراهم، مثل ما وقع بالمكتب الوطني للماء والكهرباء، ووجدت الحكومة نفسها أمام خيار التوقيع على العقد البرنامج بين الدولة والمكتب الوطني للماء والكهرباء، من أجل توفير حوالي 45 مليار درهم، تحملت منها الدولة والمكتب حوالي 70 في المائة، فيما يحمل المشتركون النسبة الباقية من خلال مراجعة تدريجية لأسعار الاستهلاك، ما يعني أن 14 مليار درهم تم استخلاصها من جيوب المواطنين، من خلال الزيادة في أسعار الماء والكهرباء.
كما فشلت الحكومة في الالتزام بالوعود التي قدمتها لإصلاح صندوق المقاصة، فقد سبق للحكومة أن أعلنت عن وضع تصور حول إصلاح هذا الصندوق، يقوم في إطار مقاربة تدريجية تهدف إلى تحقيق التوازن بين مختلف الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والمالية لنظام الدعم وذلك من خلال استراتيجية تنبني على ثلاث ركائز أساسية، أولاها مواصلة عملية مراجعة تركيبة أثمان المواد المدعمة ومسالك توزيعها وتسويقها، وعقلنة استفادة القطاعات وتهييئها للتحرير الكامل للأسعار على المدى الطويل في إطار تشاوري مع كل الفاعلين والمتدخلين، والثانية صياغة استراتيجية موازية لاستهداف الأسر المعوزة والتي في هشاشة، بالإضافة لجزء من الأسر المتوسطة الأكثر هشاشة والاستفادة في ذلك من التجارب الدولية والوطنية، باعتماد مبدأ الدعم المالي المباشر المشروط بالتعليم والصحة، وحث هذه الفئات على الانخراط في برامج محو الأمية والأنشطة المدرة للدخل، ثم الركيزة الثالثة وهي تفعيل نظام للحماية ضد تقلبات الأسعار عبر اعتماد الآليات الملائمة والتي من شأنها أن تساعد على التحكم في فاتورة دعم الطاقة، وكل ما جناه المواطن من سياسة الحزب الحاكم هو الزيادات المهولة في أسعار المحروقات ما ينعكس بشكل مباشر على أسعار النقل الطرقي وجميع المواد الاستهلاكية الأخرى.
ولم تصرف الحكومة الأموال التي وفرتها من صندوق المقاصة في تمويل قطاعات اجتماعية كما وعدت بذلك، عبر ضخها في صندوق التماسك الاجتماعي، والدليل على ذلك ما سجله المجلس الأعلى للحسابات، من اختلالات خطيرة شابت صرف أموال هذا الصندوق، فضلا عن وجود رصيد مالي مهم لكنه لم يستعمل رغم الحاجيات الملحة والمستعجلة في المجالات الاجتماعية والتي تواجه إكراهات في التمويل، وهناك خصاص مهول في تمويل برامج الدعم الاجتماعي في ظل تراكم أرصدة مهمة بالصندوق، في حين تعرف كل البرامج الممولة من طرفه عدة اختلالات ترجع بالأساس إلى ضعف التمويل٠
وفي إطار الإجراءات التقشفية، قام الحزب الحاكم بنهج سياسة «تجميد» الأجور، وتقليص عدد مناصب الشغل بالقطاعات العمومية، كما تنكر الحزب لوعوده بوضع قانون لحد أقصى للأجور الكبيرة بالإدارات والمؤسسات العمومية، وتراجع عنه، وتم تجميد مقترح القانون الذي تقدمت به فرق الأغلبية، وكان ينص على تحديد سقف أقصى للأجور والتعويضات بمختلف أنواعها بما فيها الجزافية، وتحديد سقف أقصى للمنافع العينية والمالية الممنوحة للمسؤولين بالوظائف المدنية في الإدارات العمومية والوظائف السامية التي يتداول فيها المجلس الحكومي والمحددة في الفصل 92 من الدستور، وتحديد الحد الأقصى لمجموع الأجور والتعويضات بمختلف أنواعها، والمنافع المالية والعينية الممكن منحها للمسؤولين في مبلغ 120 مليون سنتيم سنويا بعد خصم الضريبة عن الدخل، كما أن الزيادة في الأجور التي أقرتها حكومة عباس الفاسي، قام رئيس الحكومة السابق، باسترجاعها، بتمرير قانون إصلاح أنظمة التقاعد، من خلال الزيادة في سن التقاعد إلى 63 سنة، والزيادة في نسبة الاقتطاعات من أجور الموظفين.
أين هي 1.2 مليون منصب شغل؟
في جلسة دستورية عقدها مجلس المستشارين قبل أسبوعين، تراجع وزير الشغل والإدماج المهني، محمد يتيم، عن الوعود التي قدمتها الحكومة، خلال السنة الماضية، في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، بخصوص خلق مليون و200 ألف منصب شغل في أفق 2021. وقال يتيم، في معرض رده على سؤال تقدم به الفريق الاستقلالي خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين، حول «البطالة في صفوف الشباب»، إن الحكومة لم تلتزم بخلق مليون و200 ألف منصب شغل، وإنما قالت إنها تطمح إلى تحقيق الرقم بتظافر جهود كل الفرقاء وكذلك الاستراتيجيات القطاعية..، وهو ما أثار احتجاج المستشارين البرلمانيين الاستقلاليين، حيث اتهم البرلماني رحال المكاوي، حكومة العثماني بالكذب على المغاربة، وخاطب وزير الشغل بالقول: «في السنة الماضية، قلنا لكم هذا الرقم غير واقعي، وأنتم قدمتم هذه الوعود في برنامج قدمه رئيس الحكومة، واليوم نسائلكم عن مدى جديته ومصداقيته، لنفاجأ أنكم تتراجعون عن أقوالكم بعد سنة، والتسجيلات موجودة في المجلس». وطالب مكاوي الحكومة بتقديم استقالتها والاعتراف بتقديم وعود كاذبة للمواطنين، وقال: «الحكومة تكذب على المغاربة وعليكم تقديم استقالتكم ما تبقاوش تكذبو على المغاربة، هذا يخلق سوداوية عند الشباب والمواطنين وعدم الثقة في المؤسسات والحكومة» .
وخلافا لما أعلنته الحكومة، خلال السنة الماضية، بخلق مليون و200 ألف منصب شغل، في أفق سنة 2021، أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريرا جديدا، حول الحماية الاجتماعية في المغرب، كشف من خلاله الصعوبات التي يعرفها سوق الشغل بالمغرب، وبالتالي استحالة تحقيق هذا الرقم. وأكد التقرير أن سوق الشغل يتسم بعدم الاستقرار، مستندا في ذلك إلى الأرقام المتعلقة بعدد العمال المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي تكشف عن تزايد عدد الذين يتم التوقف عن التصريح بهم قبل بلوغ سن المعاش. وقبل يومين، توقع المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، ارتفاع الأسعار وتزايد معدل البطالة خلال السنة المقبلة. وشكك الفريق الاستقلالي، أثناء مناقشة قانون المالية، في مصداقية الرقم المعلن من طرف الحكومة ضمن الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، والتي وعدت بخلق مليون و200 ألف منصب شغل خلال أربع سنوات، معتبرا أن «هذا الأمر لن يتحقق للأسف الشديد إلا على أوراق الحكومة وشعاراتها»، ومشيرا إلى أن «الدليل الواضح هو مؤشرات قانون المالية، والتي تتوقع في أحسن الأحوال نسبة نمو لا تتجاوز 3.2، علما أن المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى أنها لن تتجاوز 2.9 في 2019»، معتبرا تراجع معدل النمو بهذا المنحى يعني أن الآلاف من الشباب سيلتحقون بالجماهير المعطلة، لأن انخفاض معدل النمو يعني أوتوماتيكيا انخفاضا في مناصب الشغل المحدثة.
التراجع عن تسقيف أسعار المحروقات
وبعد يتيم، أقر لحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، خلال جلسة عقدها بمجلس النواب، بفشله في تطبيق قرار تسقيف أسعار المحروقات في بداية شهر مارس الماضي، مشيرا إلى إحالة الملف على رئاسة الحكومة، وتكليف وزارة الطاقة والمعادن، بإعداد قوانين جديدة لتشجيع الاستثمار في القطاع. وقال الداودي، في رده على أسئلة وجهتها فرق برلمانية بخصوص تراجعه عن وعود تفعيل قرار تسقيف أسعار المحروقات، إنه قام بواجبه، من خلال إخبار البرلمانيين بتنفيذ التسقيف في شهر مارس الماضي، وأضاف «كنت عارف ما غاديش نديرو، وكانت ورقة ضغط على الشركات أثناء الحوار معها»، وتابع بالقول: «نحن مسؤولون أمام المواطنين، في مارس كنت في حوار مع الموزعين ويجب أن نكون واضحين الصراع مع الشركات ليس المعارضة من تقوده، أنا دخلت في صراع مع الشركات ولم نتفق معها وأعطيت موعد مارس حتى أضغط عليهم».
وأثار رد الداودي موجة من الاستغراب في صفوف النواب البرلمانيين، الذين طالبوا الوزير بتفعيل توصيات اللجنة البرلمانية الاستطلاعية حول أسعار المحروقات، والتي مازالت مجرد حبر على ورق، بعد تملص الحكومة من تفعيل مجموعة من القرارات، ومنها قرار تسقيف الأسعار الذي التزم الداودي بتطبيقه، والآن، بعد مرور أزيد من شهرين، مازال المغاربة يواجهون الارتفاع الصاروخي لأسعار المحروقات تزامنا مع حلول شهر رمضان، لكن الداودي أوضح أن الارتفاع الحاصل في أسعار المحروقات يرجع إلى الأسواق الدولية، والمشاكل القائمة مع فنزويلا وإيران، وقال: «التسقيف واعدناكم به وراه جاي في الطريق»، ما جعل البرلمانية الاستقلالية، رفيعة المنصوري، تتهمه بتقديم الوعود السابقة نفسها وطالبته بتحديد تاريخ محدد، لأن «الأسعار ارتفعت خلال هذا الأسبوع، ما ينعكس على القدرة الشرائية للمواطنين».
وخلافا لتصريحات الداودي أمام البرلمان، أكد مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خلال ندوة صحفية عقدها عقب اجتماع المجلس الحكومي، أن صدور قرار تسقيف أسعار المحروقات في المملكة مسألة وقت، وقال إنه يجري تدقيقه من قبل وزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة. وأشار الوزير إلى أن وزارة الشؤون العامة والحكامة التي تتابع هذا الموضوع أعدت تصوراً لمشروع القرار، جرت إحالته على رئيس الحكومة، الذي طلب تدقيق بعض الأمور في مشروع القرار من طرف وزارة الطاقة والمعادن التي يشرف عليها الوزير عزيز رباح، الذي سيحيل القرار بعد ذلك على البرلمان، وقال إن «هذه العملية مفروض أن تتم في القريب»، لكنه لم يحدد أي تاريخ لتطبيق القرار.
وحمل مجلس المنافسة، في تقريره الأخير، كامل المسؤولية للحكومة لأنها اتخذت قرار التحرير الكلي لأسعار المحروقات دون إقرار تدابير مواكبة لحماية المستهلك ومكونات القطاع الأكثر هشاشة. واعتبر المجلس أن تسقيف الأسعار الذي تريد فرضه الحكومة حاليا، يشكل تدبيرا تمييزيا يطبق بدون استثناء على كافة المتدخلين في القطاع، مهما كانت أحجامهم وبنية تكاليفهم، ما يمثل خطرا حقيقيا قد يضر بالمتدخلين الصغار والمتوسطين الذين ستتصاعد هشاشتهم، فضلا عن أن سوق المنافسة يعاني من عدة اختلالات ذات طبيعة بنيوية لا يمكن لتدابير جزئية وظرفية الإجابة عنها، مشيرا إلى أن الحكومة «قامت بالتحرير دون الاهتمام مسبقا بالمكونات الرئيسية للنظام التنافسي، أي وجود حواجز قوية أمام ولوج السوق في مختلف مستوياته، ومستوى مرتفع للتركيز الاقتصادي في القطاع، وبنية احتكارية لبعض الأسواق واحتكار القلة بالنسبة لأسواق أخرى».
من محاربة الفساد إلى «عفا الله عما سلف»
من شعار «محاربة الفساد والاستبداد»، إلى شعار «عفا الله عما سلف»، هكذا تحول شعار محاربة الفساد الذي شكل محور خطاب حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، خلال نصف الولاية الحكومية الحالية، فرغم الدخول «القوي» لبعض أعضاء الحكومة، بإقدامهم على نشر لوائح المستفيدين من اقتصاد الريع، إلا أن محاربتهم للفساد، توقفت في حدود نشر هذه اللوائح، بعدما عرفوا أن «العصيدة سخونة» كما يقول المثل الشعبي. وأكملت الحكومة «خيرها» في العفو «عما سلف»، بإقرار قانون العفو عن مهربي الأموال إلى الخارج، وهو القانون الذي مررته الحكومة السابقة، وصوتت ضده المعارضة، واعتبرته تطبيعا مع مهربي الأموال.
وأمام حجم ملفات الفساد المعروضة على القضاء والتقارير المنجزة من طرف المجلس الأعلى للحسابات، لم تراوح الحكومة مكانها في محاربة الفساد ونهب المال العام، ولم تلتزم الحكومة بما ورد في البرنامج الحكومي بمكافحة الفساد في تدبير الشأن العام، وسبق لرئيس الحكومة الإعلان عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات تتمثل في العمل على تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها وتفعيل توصيات تقاريرها عبر توطيد دور المفتشية العامة للمالية من خلال تحديث المنظومة القانونية المؤطرة لتدخلاتها.
وتشمل هذه الإجراءات، أيضا، حسب ما ورد في البرنامج الحكومي، تفعيل دور المفتشيات العامة للوزارات بغرض جعلها أجهزة فعالة للتفتيش والتدقيق الداخلي وانتظامية التفتيشات والافتحاصات المستقلة للمؤسسات العمومية والبرامج القطاعية والصفقات الكبرى مع العمل على الرفع من مهنيتها وعلى إحكام التنسيق بين مختلف الأجهزة المختصة، وكذا تطوير وتحديث نظام الحسبة ليساهم في تجويد الخدمات وحماية المستهلك على أساس من مقتضيات الحكامة الجيدة المنصوص عليها في الدستور، كما تضمن البرنامج الحكومي عدة إجراءات تتمثل في تحيين وتأهيل التشريع المرتبط بحماية المال العام ومكافحة الإثراء غير المشروع ووضع ميثاق وطني لمكافحة الفساد وتطوير التشريع المتعلق بالتصريح بالممتلكات وإرساء «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة» المنصوص عليها في الدستور، وتشمل هذه الإجراءات، أيضا، اعتماد برنامج وطني للنزاهة وسياسات لمكافحة الفساد على مستوى القطاعات الحكومية في إطار خطة وطنية مندمجة وتشجيع مشاركة عموم المواطنين في مجهود مكافحة الفساد وإقامة شراكات وطنية بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وبين القطاع العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني.
حكومة العثماني تجهز على ما تبقى من ثقة الأسر المغربية
في آخر تقرير لها، كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن معطيات صادمة حول ظرفية الأسر في 2018، موضحة أن نتائج البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر، المنجز من طرف المندوبية السامية للتخطيط، بين أن مستوى ثقة الأسر عرف تدهورا خلال الفصل الرابع من سنة 2018، سواء بالمقارنة مع الفصل السابق أو مع الفصل نفسه من السنة الماضية، حسب مندوبية التخطيط التي كشفت في مذكرتها بهذا الخصوص أن مؤشر ثقة الأسر انتقل إلى 79,8 نقطة عوض 82,5 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق، و85,9 نقطة المسجلة في الفصل الرابع من السنة الماضية.
وفي السياق ذاته، أوضحت المذكرة الاحصائية أن الأسر المغربية سجلت إحساسا بتدهور حاد لمستوى المعيشة خلال الفصل الرابع من سنة 2018، وبلغ معدل الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال 12 شهرا السابقة 41,2 في المائة، فيما اعتبرت 31 في المائة منها استقراره و27,8 في المائة تحسنه، ليسجل رصيد هذا المؤشر تدهورا سواء بالمقارنة مع الفصل السابق أو مع الفصل نفسه من السنة الماضية، حيث سجل ناقص 9,5 نقاط وناقص 3,8 نقاط على التوالي، كما كانت الأسر المغربية أكثر تشاؤما بخصوص معدل البطالة خلال الفصل الرابع من سنة 2018، وتوقعت 78,8 في المائة من الأسر مقابل 8,8 في المائة ارتفاعا في مستوى البطالة خلال 12 شهرا المقبلة، واستقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 70 نقطة.
وبخصوص الوضعية المالية للأسر، كشفت المذكرة الإحصائية أن 62,8 في المائة من الأسر صرحت، خلال الفصل الرابع من سنة 2018، أن مداخيلها تغطي مصاريفها، فيما استنزفت 32,8 في المائة من الأسر مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض، أما معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها فلا يتجاوز 4,4 في المائة، كما تتوقع 11,2 في المائة من الأسر تدهور وضعيتها المالية. وصرحت 18,5 في المائة مقابل 81,5 في المائة من الأسر بقدرتها على الادخار خلال 12 شهرا المقبلة. وكشفت الأرقام تدهور ثقة الأسر المغربية في قدرتها على الادخار خلال العام الجاري 2019، وفي المقابل ارتفعت توقعاتها حول ارتفاع الأسعار، وصرحت 90,4 في المائة من الأسر بأن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا خلال 12 شهرا الأخيرة.
ويأتي تقرير مندوبية التخطيط تزامنا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وعودة الارتفاعات في أسعار المحروقات، خلال النصف الأول من شهر فبراير من السنة الحالية، بعد أقل من شهرين عن التراجع الطفيف الذي كانت سجلته في دجنبر من العام الماضي ومنتصف يناير من هذه السنة، فقد أعلن لحسن الداودي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أنه خلال المنتصف الأول من شهر فبراير ستعرف أسعار المحروقات نوعاً من الاستقرار في الأسواق المغربية، حيثُ سيبقى ثمن البنزين على حاله في حين سيشهد ثمن الكازوال زيادة تقدر بـ 30 سنتيما، حسب الوزير الذي أرجع السبب في هذا الارتفاع إلى الارتفاع في سعر البرميل الخام. كما ارتفعت أسعار عدد من المواد، فبعد القفزة التي عرفتها أسعار اللحوم الحمراء التي تجاوز سعرها 80 درهما للكيلوغرام الواحد داخل الأسواق الأسبوعية، فيما ارتفع أكثر وسط الأحياء وخاصة الراقية منها، انتقلت حمى ارتفاع الأسعار إلى الدجاج أيضا، والذي وصل سعره إلى 16 درهما للكيلوغرام الواحد، الشيء الذي أثار حفيظة المستهلك، خاصة وسط شريحة الفقراء. وجاء هذا الارتفاع في أسعار الدجاج بعد أيام من الارتفاع الملحوظ في سعر لحوم الأبقار، التي وصلت في المدن الكبرى إلى 90 درهمًا للكيلوغرام الواحد، علمًا أن السعر يحدد في غياب أي تدخل من المصالح الحكومية.
الحكومة تخلف وعدها وترفع يدها عن تشغيل الشباب
تخلت حكومة سعد الدين العثماني سريعا عن وعودها بخصوص التشغيل، إذ كشفت الأرقام الإحصائية بخصوص ارتفاع البطالة عكس وعود العثماني، رئيس الحكومة، الذي كان اعتبر أن خطة عمل الحكومة في مجال التشغيل برسم سنة 2019 ستتميز بالشروع في تنزيل التدابير ذات الأولوية المنصوص عليها في إطار البرنامج التنفيذي للمخطط الوطني للنهوض بالتشغيل، والذي كان موضوع الميثاق الموقع بتاريخ 27 أبريل 2018 بين القطاعات الحكومية المعنية والاتحاد العام لمقاولات المغرب وجمعية جهات المغرب، مؤكدا أن سنة 2019 ستعرف التركيز على عدة إجراءات، منها دعم البعد الجهوي للتشغيل وفقا للاختصاصات الجديدة للجهة في هذا الميدان والمنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، مع تعزيز حضور وزارة الشغل والإدماج المهني على المستويين الجهوي والإقليمي، وذلك في إطار مواكبة ورش الجهوية المتقدمة واللامركزية الإدارية.
وكشفت المندوبية السامية للتخطيط عن معطيات جديدة بخصوص البطالة وسوق الشغل بالمغرب، موضحة استقرار البطالة في مستويات مرتفعة فاقت عتبة المليون و100 ألف عاطل، وأن قرابة ثلثي العاطلين عن العمل هم في وضعية بحث عن شغل منذ سنة أو أكثر، حيث تبلغ البطالة نسبة 63,5 في المائة لدى الرجال و75.4 في المائة لدى النساء. وأضاف التقرير أن 71.1 في المائة من العاطلين البالغين من العمر ما بين 15 و34 سنة يبحثون عن شغل، منذ سنة أو أكثر، في الوقت الذي ترتفع هذه النسبة بارتفاع مستوى الشهادة، حيث تنتقل من 46,1 في المائة لدى الأشخاص بدون شهادة إلى 77,7 في المائة لدى حاملي شهادات المستوى العالي.
وسجلت أرقام المندوبية أن معدل البطالة بلغ 26 في المائة لدى الشباب البالغين بين 15 و24 سنة، و43.2 في المائة في صفوف الحضريين منهم، كما تبقى البطالة أكثر ارتفاعا بين النساء بنسبة 14 في المائة مقارنة بالرجال بنسبة 8.4 في المائة، خصوصا في المناطق الحضرية، حيث يبلغ معدلها 24.3 في المائة لدى النساء مقابل 11.4 في المائة لدى الرجال، فيما يرتفع معدل البطالة بشكل ملموس مع مستوى التكوين، حيث ينتقل من 3,4 في المائة لدى الأشخاص بدون شهادة إلى 17,2 في المائة لدى حاملي الشهادات، و14 في المائة لدى حاملي الشهادات المتوسطة، و23 في المائة لدى حاملي الشهادات العليا.
ويرتبط تقرير مندوبية التخطيط بشكل وثيق بتقرير كشفه المرصد الوطني للتنمية البشرية، والذي أبان عن معطيات صادمة، إذ حذر من ارتفاع مرتقب في نسبة البطالة وتقهقر الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للنساء، في السنوات المقبلة. وأرجع التقرير الحديث، الذي أصدره المرصد التابع لرئاسة الحكومة، تلك الوضعية إلى ارتفاع عدد السكان وتزايد البطالة في المناطق الأكثر تنمية وفي صفوف الطبقة المتوسطة. وأبرز تحليل المرصد أن «غياب تكافؤ الفرص والتفاوت بين الكفاءات المتوفرة والكفاءات المطلوبة يعدان السببين الرئيسيين للبطالة»، لافتا إلى أن «التحدي الذي يثير القلق أكثر في هذا الصدد هو الشريحة الواسعة من الشباب الذين لا يتوفرون على مستوى تعليمي أو تكوين أو عمل».
أين تبخرت وعود إصلاح التعليم؟
أثناء استقباله من طرف الملك محمد السادس، لتقديم التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم 2017، حذر عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب من تعثر تنفيذ الإصلاحات الكبرى التي أقرتها الحكومة، وشدد على أنه بالنظر إلى المجهودات الكبيرة التي تبذلها، فإنه يتبين أن بلادنا ليست فقط بحاجة لمواصلة الإصلاحات وتوسيع نطاقها، بل أيضا وبصفة خاصة لإنجاح تنفيذها وإتمامها في الآجال المحددة. وقدم نموذجا لذلك إصلاح منظومة التربية والتكوين، حيث لم يتم بعد تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2030 رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على اعتمادها، وكذا المخطط الوطني للتشغيل الذي يبقى بحاجة إلى تدابير ملموسة لبلوغ أهدافه الطموحة.
وخلال حملة الانتخابات التشريعية لسنة 2016، عاد حزب العدالة والتنمية لتقديم نفس الوعود التي قدمها في برنامجه الانتخابي لسنة 2011، معتبرا أن هذا الورش يبقى على رأس الرهانات الاستراتيجية المحددة لتنمية بلادنا، وأشار إلى أن المغرب يتوفر على رؤية استراتيجية متوافق بشأنها، ينبغي توفر شروط تنزيلها وإنجاحها، وأقر البرنامج بمجموعة من السلبيات التي أثبتت عجز الحكومة الحالية في النهوض بالقطاع، ومن بين هذه السلبيات الواردة في البرنامج، استمرار ارتفاع نسبة الأمية بنسبة 32 في المائة، وتصنيف اليونيسكو لنظام التعليم المغربي من بين 21 الأضعف في العالم، وتسجيل نسبة البطالة 20,8 في المائة ضمن صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و 24 سنة، وشاب من أصل 7 يحصل على البكالوريا، و 78 في المائة من تلاميذ الابتدائي لا يفهمون الدروس الملقنة ويشكون من صعوبات في القراءة والكتابة.
ويقدم البرنامج مجموعة من الوعود التي سبق وقدمها في برنامجه الانتخابي لسنة 2011، وفشل الحزب في تحقيقها أثناء قيادته للحكومة الحالية، ومنها إخراج القانون-الإطار للتربية والتكوين والبحث العلمي، واعتماد نظام فعال لقيادة المنظومة يستند إلى مرجعية وطنية للجودة وتفعيل اللجنة الوزارية الدائمة للتربية والتكوين، وإرساء التعاقد على مستوى الأكاديميات والمؤسسات كآليه للتدبر الناجع، مع منح استقلالية أكبر لمؤسسات التربية والتكوين، وإصلاح المناهج والبرامج، من خلال إرساء الإطار الوطني للإشهاد، وتأسيس وتفعيل اللجنة الدائمة للبرامج تقوم بمراجعة المناهج والبرامج والكتب المدرسية وفق إطار مرجعي واضح، وتفعيل الهندسة اللغوية الرامية إلى إتقان اللغة العربية والتواصل بالأمازيغية والتمكن من لغتين أجنبيتين وإرساء التناوب اللغوي في بعض المواد.
كما وعد الحزب الحكام، بإصلاح التعليم الخاص، من خلال تطوير إطار التعاقد والشراكة مع الدولة، وتطبيق التدابير التنظيمية الخاصة، بالترخيص وضمان معاير الجودة والضبط والمراقبة والتقييم، والاعتماد والاعتراف بالشهادات، والتعميم التدريجي للتعليم الأولي واستثمار رصيد الكتاتيب القرآنية، واعتماد وتفعيل بيداغوجيات تتمحور حول المتعلم وتواكب المستجدات والتطورات التي تعرفها وسائط التدريس والتعلم، وخاصة عبر إدماج تكنولوجيا الاعلام والاتصال، وإرساء المشروع المندمج للمؤسسة الذي يمكن من تطوير وتنمية المؤسسة التعليمية بكل مكوناتها من خلال مقاربة تشاركية تمكن جميع الأطراف المعنية من بلورة رؤية المؤسسة ومخططها الاستراتيجي والمشاركة في تنفيذهما، وتعميم قاعات للمدارسة وفضاءات لغوية، وذلك من أجل تنمية قدرات المتعلمين وتحفيزهم على تعلم اللغات خلال فترات الاستراحة، ووضع مسار المشروع الشخصي والمهني على مستوى الإعدادي والثانوي بهدف تكوين الشباب على التفكر الموجه حول انشغالاتهم المهنية، وتأهيل فضاء التعلم وتعزيز البنية التحتية من خلال إنجاز عملية تأهيل وإصلاح واسعة لتوفر إطار ملائم للتعلم لفائدة المتعلمين والأساتذة، وإحداث مؤسسات جديدة في الجهات التي تعاني من الخصاص.