العلم الوطني.. حكاية علم تغيرت أشكاله وأريق على جوانبه الدم
مع الأخبار
ظل العلم الوطني جزءا من هوية الشعوب، ورمزا للكرامة والسيادة والأصالة والشموخ، يصفه الكثيرون بالناطق الرسمي باسم الأوطان دون صوت في المحافل المحلية والخارجية، ولأنه رمز للتضحية فإن جثامين شهداء الوطن تلف بالأعلام، بل إنه يرفع في الأعالي حتى يبقى مرادفا للشموخ.
مهما علا شأن الإنسان فإنه ينحني إجلالا للعلم الوطني، ينخرط في نوبة خشوع احتراما لراية تأتي بعد الولاء لله. لذا كان أسلافنا يضعون العلم في مقدمة الجيوش، قبل أن يصبح جزءا من بروتوكول مراسيم استقبال الشخصيات، وفي المنافسات الرياضية والملتقيات السياسية والفكرية والاجتماعية وعلى واجهة المؤسسات الحكومية.
عندما تمتد يد آثمة لتعبث بالعلم الوطني، ينتاب المواطنين زلزال الغضب، تتطاير شظاياه وتكبر رغبة الثأر من الفاعل، كما حصل حين قام بعض الانفصاليين بتدنيس العلم الوطني في باريس، في سلوك همجي يسيء لأجيال من المغاربة والمغربيات من شمال المغرب إلى جنوبه، والذين قدموا تضحيات جسام من أجل استقلال المغرب ووحدة أراضيه ونمائه وتقدمه.
تحرك الرأي العام الوطني وانتابه شعور بالمهانة أمام فعل استهدف وجدان شعب بكامله، رغم أن ظاهر الفعل إحراق قماش في ساحة عمومية، والحال أنه بمثابة إضرام للنار في قلوب وأفئدة المغاربة أجمعين.
ينشأ العلم الوطني بموجب قوانين وتشريعات خاصة تحدد أبعاده وألوانه بما يتفق مع فكرة وطنية معينة تتجسد فيها مضامين سياسية سامية ونبيلة، كما يضع المشرع قوانين تحميه من عبث العابثين وتجرم أفعالهم.
في هذا الملف نتوقف عند قصة العلم المغربي، ومراحل اكتمال عزته وشموخه.
بن غبريط يضع التصميم الأولي ويراجع ظهير العلم
قام السلطان مولاي يوسف بإصدار الظهير الملكي المتعلق بالعلم الوطني في 17 نونبر 1915، وجاء فيه: «يعلم من كتابنا هذا أسمى الله مقداره وجعل على مركز اليمن والسعادة مداره، أنه نظرا لترقي شؤون مملكتنا الشريفة وانتشار ألوية مجدها وفخارها، ولما اقتضته الأحوال من تخصيصها براية تميزها عن غيرها من بقية الممالك، وحيث كانت راية أسلافنا المقدسين تشبه بعض الرايات وخصوصا المستعملة في الإشارات البحرية اقتضى نظرنا الشريف تمييز رايتنا السعيدة بجعل الخاتم السليماني المخمس في وسطها باللون الأخضر راجين من الله سبحانه أن يبقيها خافقة برياح السعد والإقبال في الحال والمآل آمين والسلام».
ورغم أن الظهير السلطاني يشير إلى أن قرار تغيير العلم المغربي يعد قرارا خاصا بالسلطان، إلا أن المقيم العام الفرنسي، الجنرال ليوطي، هو من دعا إلى التنصيص على العلم المغربي، من خلال لقاءاته مع قدور بن غبريط الذي يعتبر أول من وطد المراسيم السلطانية والتشريفات المخزنية العتيقة وأعطاها نفسا جديدا، حيث اشتغل في الديوان الملكي على عهد مولاي عبد الحفيظ، وعينه السلطان مولاي يوسف رئيسا للبرتوكول بالقصر الملكي.
عاشر قدور بن غبريط ثلاثة ملوك في زمن صعب، لكن قلبه ظل في المغرب على رأس مديرية التشريفات من 1907 حتى أواسط الخمسينيات، وقد كان وفيا لتنظيرات ليوطي، الإبقاء على القواعد المخزنية العتيقة للمخزن الشريف، ونسج إدارة عصرية أكثر ضبطا وتنظيما وذات طابع حداثي لا يمس بالتقاليد المتوارثة في العصور السابقة.
تشرب الرجل حب فرنسا من الجنرال ليوطي أول قائم بأعمال فرنسا في المغرب، وتحول إلى أمين على مصالح الفرنسيين بل وإنه وصف بالفرنسي الأكثر عشقا للجمهورية من الفرنسيين أنفسهم. الغريب في مسار هذا الرجل أن اسمه مدرج ضمن موسوعة أعلام الجزائر، الصادرة عن «المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نونبر». والأغرب أن يتولى في نهاية مساره إدارة مسجد باريس ويدفن بداخله.
قال عنه القبطان بول مارتي مدير ثانوية مولاي إدريس بفاس في مذكراته، «كان بن غبريط حاضرا في اللقاءات الديبلوماسية المخزنية مما أتاح له فرصة التشاور والتخابر وحتى التآمر على السلطان مولاي عبد الحفيظ والضغط عليه للاستنجاد بالجيش الفرنسي لإنقاذ الموقف وتوقيع عقد الحماية المشؤوم سنة 1912 ثم التنازل عن العرش»، لحسن حظه أنه توفي قبل أيام من بزوغ فجر الاستقلال.
حين كان قدور هو المسؤول عن الشؤون المخزنية، اطلع الرجل على ظهير العلم الوطني قبل نشره في الجريدة الرسمية، بل إنه واضع تصور وتصميم العلم، حيث استوحى بن غبريط اللون الأحمر من لفظة «ماروك» التي هي تحريف لكلمة مراكش، المدينة الحمراء. أما الأخضر، فهو يحيل إلى نخيل مراكش، والأضلاع الخمسة تشير إلى أركان الإسلام، حسب رواية أحد المؤرخين.
عسكري فرنسي يضع موسيقى النشيد الوطني المغربي
يعتقد كثير من الناس أن النشيد الوطني قد أعد من طرف ملحن مغربي، وذهب البعض إلى حد الاعتقاد بأن المصري محمد عبد الوهاب هو من وضع اللحن، فيما ذهب آخرون إلى الجزم بكون محمد البيضاوي هو مبدع المقطوعة الوطنية.
لكن «السلام» الوطني كان فكرة راودت المقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي، فاستدعى إلى مكتبه القبطان ليو مورغان رئيس فرقة الموسيقى العسكرية بالحرس الشريفي في عهد الحماية الفرنسية بالمغرب، وطلب منه التفكير في نشيد وطني يعزف في المناسبات الوطنية وخلال استضافة شخصيات سياسية وعسكرية، كانت البلاد حينها تعيش تحت الوصاية الفرنسية، وفي اليوم الموالي حضر ليو وعزف رفقة أفراد فرقته وشرعوا في عزف مقطوعة ستتحول إلى لحن وطني، رغم أنه لا أحد كان يعتقد أن تلك اللحظة مفصلية في تاريخ الأمة المغربية.
وضعت موسيقى النشيد الوطني المغربي في عهد المولى يوسف وكانت لحنا دون كلمات، وأصبحت مجرد تحية سلطان ملكية، ألحان دون كلمات معروفة باسم النشيد الشريف. دعي ملحنها ليو مورغان رئيس الفرقة الموسيقية للحرس الشريف، للقاء السلطان والحديث عن المعزوفة دون أن يعرف أن موسيقاه ستظل حية بعده لأمد طويل.
استقبل مورغان من طرف محمد الخامس بعد انتهاء مهامه كرئيس للحرس الشريفي، الذي عوض بالحرس الملكي، وخلال اللقاء أثنى الملك على مورغان الذي عاد إلى بلاده وظل يتردد على المغرب كسائح إلى أن توفي سنة 1984 في فرنسا.
بقيت قطعة ليو مورغان ألحانا دون كلمات واعتمدها القصر كنشيد وطني يعزف في المناسبات الوطنية والزيارات الملكية، رغم وجود العديد من المحاولات التي سعت لاستبدال قطعة مورغان بمعزوفة أخرى بإبداع مغربي، بل إن حزب الاستقلال حاول جعل نشيد «مغربنا وطننا روحي فداه» النشيد الرسمي للبلاد، لكن الأمير مولاي الحسن رفض بإصرار، وأرسل تهنئة لمورغان قبل أن يقرر سنة 1969 تطعيم الموسيقى بشعر يسايرها.
الوداد يشترط رفع العلم المغربي لمواجهة بلعباس
في سنة 1948 شد فريق الوداد البيضاوي الرحال إلى مدينة وهران عبر القطار، من أجل مواجهة فريق سيدي بلعباس الجزائري، برسم نصف نهائي بطولة شمال إفريقيا، واعتبر المتتبعون هذه المواجهة «مباراة القرن» ضد فريق جزائري يتشكل في غالبيته من عناصر أوربية.
لكن حكم المباراة لاحظ أن أقدام لاعبي الوداد لم تطأ أرضية ملعب مملوء عن آخره، لم تنفع صفارة الحكم في مغادرة المغاربة مستودع الملابس، وحده العميد قاسم قاسمي هو الذي توجه نحو مندوب المباراة ونقل له قرار المدرب الأب جيكو الذي يشترط رفع العلم المغربي في الملعب لخوض المباراة، وبعد اجتماع الحكم مع منظمي المباراة تقرر رفع الراية المغربية أمام صيحات الجماهير التي كانت فرحة بالحدث، وعرف الملعب بعد دخول اللاعبين أحداثا دامية بين جمهور جزائري مؤيد للشرط الودادي وجمهور فرنسي رافض للقرار. انتهت الجولة الأولى بالتعادل السلبي لكن الشوط الثاني عرف غزارة في الأهداف، إذ فاز المغاربة بأربعة أهداف مقابل ثلاثة.
جلب هذا القرار متاعب كثيرة للمدرب الأب جيكو، وتعرض فور وصوله للمغرب لمحاولة اغتيال، نجا منها بأعجوبة، كما أن القطار الذي نقل البعثة الودادية توقف بمجرد مغادرة وهران بسبب عطل قيل إنه من فعل فاعل فرنسي، إذ رفض مستخدمو القطار تقديم خدماتهم للاعبين هزموا أشهر فريق جزائري.
في أول رحلة للوداد منذ تأسيسه إلى الجزائر لمنازلة سيدي بلعباس، حمل اللاعب بوشعيب خالي وعبد القادر جلال منشورات وطنية من المغرب إلى الجزائريين، وقد علم الأب جيكو مدرب الوداد بالأمر واطلع على تلك المطبوعات ولم يعارض بالرغم من أنه كان المسؤول الأول في حالة كشف الأمر لدى السلطات الفرنسية.
اجتماع حكومي من أجل وضع كلمات النشيد الوطني
أمر الملك الراحل الحسن الثاني الكاتب علي الصقلي الحسيني بكتابة كلمات النشيد الوطني، ودعاه إلى الحفاظ على نفس اللحن ليردده اللاعبون بالمكسيك أثناء عزف النشيد، لذا كتبها الشاعر على لسان مواطن يخاطب وطنه:
«منبت الأحرار، مشرق الأنوار منتدى السؤدد وحماه، دمت منتداه وحماه عشت في الأوطان، للعلى عنوان ملء كل جنان، ذكرى كل لسان بالروح، بالجسد، هب فتاك، لبى نداك في فمي وفي دمي هواك ثار نور ونار إخوتي هيا، للعلى سعيا نشهد الدنيا، أن هنا نحيا بشعار الله الوطن الملك».
دعا الملك الحسن الثاني وزيره امحمد باحنيني إلى اجتماع طارئ، وأخبره بضرورة انتداب شاعر قادر على وضع كلمات ترافق لحن الفرنسي ليو مورغان، واضع موسيقى النشيد الوطني المغربي. في اليوم الموالي أعلنت وزارة الثقافة عن مسابقة بين الشعراء المغاربة لإعداد كلمات وقرر الملك الإشراف شخصيا على نتائج المسابقة، وهو من اختار كلمات النشيد الوطني من قصيدة للشاعر علي الصقلي الحسيني.
كان علي الصقلي الحسيني، وهو من مواليد 1932 بمدينة فاس، خريجا لجامعة القرويين حيث حصل على الإجازة في الأدب سنة 1951 وعين أستاذا بنفس الجامعة التحق سنة 1956 بالديوان الملكي، وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1967.
قال الحسن الثاني للشاعر علي: «إن تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم لمونديال المكسيك يفرض على المغرب التوفر على نشيد وطني، يعزف في أكبر محفل عالمي إلى جانب الأناشيد الوطنية للدول المشاركة».
لم يكتف الحسن الثاني بالموافقة على اختيار كلمات الشاعر الصقلي، بل وجه دعوة للضابط الفرنسي ليو موغان واضع لحن النشيد السلطاني، من أجل الاستماع للصيغة الجديدة للسلام الوطني، كما كان يسميه العرب، وأعجب ليو بكلمات الصقلي بعد أن فهم مغزاها، معلنا انتهاء العمل بقطعة مورغان التي كانت لحانا بدون كلمات واعتمدها القصر كنشيد وطني يعزف في المناسبات الوطنية والزيارات الملكية.
ظل كثير من المواطنين يرددون النشيد الوطني دون أن يعرفوا اسم كاتب كلماته، وحين اشتد المرض بالشاعر علي الصقلي الحسيني، انتبهوا إلى مبدع «منبت الأحرار»، وتأسفوا لغيابه عن دائرة الضوء، في الوقت الذي يصر شعراء من الدرجة الثانية على احتلال منصات الوجاهة.
هكذا عاش الشاعر علي الصقلي، يقضي أوقاته بين الكتب وينام على قوافي الشعر، إلى أن استبد به المرض وقرر أن يدخل ويخرج من المصحات دون أن يثير الاهتمام، مفضلا قضاء ما تبقى من وقت محتسب من عمره في قراءة القرآن وتناول الأدوية وتحمل مرارة علاج يقسو على جسد مرهف المشاعر.
الحسن الثاني يحث لاعبي المنتخب على حفظ النشيد الوطني
في نهاية سنة 1969، أعلنت وزارة الثقافة عن مسابقة بين الشعراء المغاربة لإعداد كلمات ترافق لحن مورغان، وقرر الملك الإشراف شخصيا على نتائج المسابقة، وهو من اختار كلمات النشيد الوطني من قصيدة للشاعر علي الصقلي لتتردد لأول مرة عند تأهل المغرب إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم سنة 1970، في المكسيك.
قال الحسن الثاني للشاعر إن تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم لمونديال المكسيك فرض على المغرب التوفر على نشيد وطني يعزف في أكبر محفل عالمي إلى جانب الأناشيد الوطنية للدول المشاركة، «نريد أن يرتفع علمنا ونسمع صداه في المغرب».
يقول محمد الهزاز حارس المنتخب المغربي سابقا في مذكراته: «فقيه في عرين الأسود» التي كتبها الزميل محمد التويجر: «أول عهدي بالقصر الملكي وطقوس «دار المخزن» يعود للاستقبال الرسمي الذي خصنا به الملك الراحل الحسن الثاني قبل يوم واحد من شد الرحال صوب الديار المكسيكية قصد تمثيل القارة الإفريقية في مونديال 1970، وقد شدد رحمه الله على القيمة المضافة التي يمكن أن تجنيها كرة القدم المغربية من حضور موفق في تظاهرة عالمية، وعلى رفع العلم المغربي خفاقا في المكسيك».
حين سمع الحسن الثاني النشيد الوطني يعزف في المكسيك لأول مرة مع المنتخب المغربي لكرة القدم، اتصل بالبعثة هاتفيا وطلب من أفرادها حفظ كلماته عن ظهر قلب.
محمد فاضل زيدان أول من تشرف برفع العلم المغربي في العيون
سيظل 28 فبراير 1976، يوما مشهودا في التاريخ، لأنه يؤرخ للاسترجاع الرسمي للصحراء المغربية وتحريرها من المستعمر الإسباني. كان محمد فاضل زيدان ماء العينين واحدا من بين من حظوا بشرف رفع العلم الوطني بعد إنزال علم المستعمر، فهو المقاوم الذي جمع بين العلم والتجارة، ولعب دورا جهاديا كبيرا خلال الحقبة الاستعمارية، ما جعله رقما مهما في معادلة المقاومة بالجنوب المغربي.
ولما جاءت المسيرة الخضراء المظفرة، والتي تجسد بحق حدثا تاريخيا بارزا سوف يؤرخ لبداية نهاية الحقبة الاستعمارية بالصحراء، كان محمد فاضل زيدان ومن معه من المقاومين الأوائل الذين تقدموا الركب مشهرين الأعلام الوطنية وكتاب الله عز وجل.
«بعد أن تم جلاء آخر جندي إسباني عن الصحراء المغربية، تم بمدينة العيون إنزال العلم الإسباني ورفع العلم الوطني المغربي وذلك برئاسة الوزير الأول أحمد عصمان وحضور ممثل وزير الداخلية إدريس البصري، وعامل صاحب الجلالة على الأقاليم الصحراوية أحمد بنسودة ونائبه العربي الفحصي ورئيس الجماعة الصحراوية خطري ولد الجماني وحسن أوشن عامل أكادير، حيث طلب أحمد عصمان من محمد فاضل زيدان ماء العينين بأن يرفع العلم الوطني بمعية خطري ولد الجماني، وهو الأمر الذي لم يترددا معا في الاستجابة له باعتباره أكبر تشريف يمكن أن يحظى به المقاوم بعد مسار حافل من النضالات في مواجهة القوى الاستعمارية التي خرجت من أرض الصحراء المغربية.
وبعد أن حققت المسيرة الخضراء أهدافها تم تعيينه من لدن أحمد بنسودة الذي تقلد مهمة عامل ممثل لجلالة الملك الحسن الثاني بالعيون من 27 فبراير 1976 إلى أواخر 1977، إذ قام بنسودة بتعيين فاضل كأول أمين للتجار بالصحراء، عهد إليه أمر منح تراخيص المرور من عدمه لمن كانوا يمتهنون التجارة بالمنطقة أو العابرين منها.
بنت أول سيدة تنسج علم الجزائر تقيم في الرباط
في عام 1969 توقف الزعيم الجزائري مصالي الحاج، عند زيارته ابنته بالمغرب، أمام سفارة الجزائر بالرباط، وبقي شاردا، متكئا على عصاه، قرابة ساعة كاملة، وعيناه شاخصتان في العلم الجزائري يرفرف فوق البناية، سر هذه الوقفة التأملية ينطوي على قصة تستحق أن تروى.
يلوح الجزائريون في كل مناسبة وطنية برايتهم الوطنية البيضاء والخضراء، التي يشع من وسطها هلال ونجمة أحمران، وهي راية عرفوها قبل ثورة نونبر 1954. لكن هل يعلم الجزائريون أن هذه الراية خاطتها سيدة فرنسية ترددت كثيرا على المغرب، وهي زوجة الزعيم مصالي الحاج، وتدعى إيميلي بيسكان.
حسب الكاتب والإعلامي الجزائري محمد بن شيكو، في رواية عن إيميلي بيسكان عنوانها «المعطرة»، أن هذه السيدة «هي التي خاطت أول علم جزائري سنة 1929. أطلق بن شيكو اسم «المعطرة» على إيميلي بيسكان لأنها «كانت تبيع العطور ولوازم النساء في متاجر ريوني، أحد أعرق وأكبر متاجر العطور في باريس، وهناك التقت مصالي الحاج سنة 1923، عندما كان يعمل مساعدا في مصنع، فقبلت الزواج منه».
أوردت جنينة ابنة مصالي الحاج، في كتابها «حياة مشتركة مع والدي مصالي الحاج»، قصة ظهور الراية الوطنية، فكتبت «في 5 غشت 1934، شارك أكثر من 800 جزائري في جمعية عامة لنجم إفريقيا في باريس، وقد اكتست هذه الجمعية وقارا كبيرا، فلقد عرض فيها للمرة الأولى العلم الجزائري الأخضر والأبيض يتوسطه هلال ونجمة أحمران، وأمام هذا المشهد العظيم نهض الجزائريون كرجل واحد داعين ومصفقين.
مات مصالي المغضوب عليه من طرف بومدين، لكنه دفن في مسقط رأه تلمسان وحمل مطار هذه المدينة اسمه.
علم الريف يباع في المزاد العلني
تم بيع علم كان يمتلكه عبد الكريم الخطابي، زعيم مقاومة الريف ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني في عشرينات القرن الماضي، في مزاد أقيم بمدينة كاين الفرنسية، بـ40 ألف يورو، من طرف مغربي لم يكشف عن هويته.
وذكر موقع صحافي فرنسي أن المزايدة على العلم المصنوع من الحرير وذي الحجم الصغير، كان قد أعطاه عبد الكريم الخطابي للجيش الفرنسي، بعد اضطراره لتسليم سلاحه سنة 1926، تمت بواسطة هاتف ذكي، بين شخص رفض كشف هويته، وهو من جنسية مغربية من مدينة طنجة، ومغربي آخر يعيش بمدينة رين، يدعى عادل ويبلغ من العمر 48 سنة، وهو جامع للقطع الفنية والتحف التاريخية، وقد اعتبر أن العلم قطعة فريدة من نوعها.
وقبل البيع أشارت الصحيفة الإلكترونية التي أوردت الخبر إلى أن الرجلين أصرا على شراء القطعة. بدأ الرجلان في المزايدة وأظهرا مدى إصرارهما ورغبتهما في شراء هذه التحفة التاريخية، لأهميتها التاريخية بالنسبة إليهما، قبل أن يقف المزاد عند الشخص الذي لم يكشف عن هويته، حيث دفع 40 ألف يورو، فيما أعطى عادل المغربي 37 ألف يورو، بعدما عرضت القطعة للبيع بمبلغ 1200 يورو فقط.
وقال عادل في تصريح صحفي «إن القطعة بالفعل تستحق ذلك فعبد الكريم الخطابي هو أب التحرير في المغرب، لقد كان عالما عظيما، يعرف كيف يقاوم الإسبان والفرنسيين، وتعلم تشي غيفارا وماو تسي تونغ حرب المداهمات منه».