الجالية المغربية بقطر.. تجارب قاسية وأحلام منكسرة
مع
يحلم عدد كبير من المغاربة بالفردوس القطري، معتبرين أن مجيئهم إلى هذا البلد سينقذهم من عتبة الفقر، وسيؤدي إلى تحسين وضعيتهم الاجتماعية، قبل أن يفاجؤوا بكون ذلك الحلم مجرد سراب، إذ منهم من تعرض للنصب، وآخرون عجزوا عن الاستمرار، في حين نجح آخرون في وضع قدمهم وفرض أنفسهم في هذه "الجنة الملتهبة".
يروي حسن تجربة مريرة، بعدما حملته الظروف إلى بيع قطع أرضية تعود لوالدته، ليتمكن من المجيء إلى قطر، إذ تواصل مع أحد أصدقائه الذي رشح له شركة مكلفة بتهجير المغاربة إلى الدوحة، من خلال عقود عمل وتمكينهم من تأشيرة للدخول إلى التراب القطري.
حسن دفع تكلفة هذه التأشيرة بقيمة 6 ملايين سنتيم، قبل أن يحل بقطر ويفاجأ بغياب فرع لتلك الشركة في قطر، وتنصل من ورطوه في هذا الأمر من أي التزامات، اكتشف أنها كانت مجرد وعود كانوا قد قطعوها على أنفسهم في المغرب؛ من قبيل توفير السكن والعمل.
يقول حسن: "لقد جئت إلى قطر بعدما قمت ببيع أرض أمي والحصول على نصيبي من إرث والدي، أملا في أن أرد إليها هذا الدين وأنقذ أسرتي. وقد سرت في هذه الوجهة على أمل أنني سأعمل في مجال البناء في قطر، لكنني تفاجأت بأن الأمر مجرد نصب واحتيال، وأن التأشيرة التي سلمت إلي كانت فقط للسياحة، وسينتهي أجلها في ثلاثة أشهر".
حسن، القادم من المملكة المغربية ذات المناخ المعتدل، أكد أنه اضطر في قطر حيث الطقس قاس إلى المبيت في العراء لمدة ثلاثة أيام، قبل أن يتدخل عدد من أبناء الجالية المغربية في قطر ويؤمنون له سكنا مؤقتا مع أحد المغاربة في العاصمة الدوحة.
مشكلة حسن لم تقتصر عليه وحده، بل شملت عددا كبيرا من المغاربة. وقد نجحت إدارة البحث الجنائي بوزارة الداخلية القطرية في ضبط متهمين اتهموا عبر بلاغات بالنصب والاحتيال وإدارة شركات وهمية بهدف الاتجار في التأشيرات، وذلك من خلال استغلال أسماء شركات مملوكة لبعض المواطنين.
وجاء اعتقال عدد من المتهمين بعد الاشتباه في أحد موظفي الشركة، التي تم النصب باسمها على حسن وغيره، وذلك لقيامه بعمليات اتجار في التأشيرات باسم شركته بالتنسيق مع آخرين. وبالبحث والتحري تم التوصل إلى معلومات حول ثلاثة متهمين يمارسون عمليات نصب واحتيال بأسماء شركات بهدف الاتجار في التأشيرات، إضافة إلى إنشاء شركات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، فضلا عن جلب عمالة إلى هذه الشركات بمقابل مادي.
وتم أيضا ضبط المتهم الأول في هذا الملف، والذي اتضح أنه يحمل جنسية آسيوية، وبحوزته أحد عشر خاتما لشركات مختلفة، إضافة إلى مستندات تخص بعض الشركات، فضلا عن بطاقات ائتمانية، كما تم التوصل للمتهمين الثاني والثالث من جنسية عربية.
وبالتحقيق معهم اعترفوا بما نسب إليهم، ليتم بعد ذلك تحريز المضبوطات، وإحالتهم إلى الجهات المختصة لاستكمال إجراءاتها وتقديمهم إلى المحاكمة.
التأمين وغياب مدارس مغربية
بعيدا عن تعرض عدد من المغاربة لعمليات النصب والاحتيال في العقود، والذين وجدوا أنفسهم عرضة للتشرد أو الممارسات المنافية للأخلاق، وجد مغاربة آخرون أنفسهم أمام مشاكل من نوع آخر؛ من بينها غياب التأمين الصحي والضمان الاجتماعي والتقاعد والإعارة بالنسبة إلى رجال التعليم ورجال الأمن، وغيرها من المشاكل الإدارية.
وتحدث مجموعة من المغاربة، الذين صادفهم موقع "تيلي ماروك" بإمارة قطر، عن المشاكل التي يعانونها والعراقيل التي تقف في طريقهم، مشيرين إلى أن من بين هذه الأمور عدم وجود مدرسة مغربية خاصة، مشيرين إلى أن الأطفال المغاربة يدرسون بمدرسة تونسية يرددون فيها النشيد الوطني التونسي، ومثيرين الانتباه أيضا إلى عدم وجود اتفاق يضمن حق العاملين بالخليج العربي في التقاعد، مثلما يتمتع به عرب آخرون في المنطقة ذاتها، وعدم تمكين مجلس الجالية المغربية من وصل قانوني يسمح له بالعمل تحت إشراف السفارة بقطر، ووجود تلاعب في العقود يمارسه المغاربة على بعضهم البعض.
السكن.. ذلك الغول المتوحش
يستحيل أن تجد شقة مناسبة بسعر معقول في العاصمة القطرية الدوحة، حيث أضحت المساكن شبيهة بغول كبير يلتهم كل ما يملكه الوافدون إلى هذه الدولة.
يحكي نبيل، وهو شاب في أواخر العشرينات، أنه اختار المجيء إلى قطر بغية الحصول على فرص للشغل، موضحا أنه اضطر إلى البحث عن مكان قريب من عمله، لكنه وجد صعوبة في ذلك، بحكم أن العثور على سكن في تلك المنطقة، التي تسمى اللؤلؤة، يعد ضربا من الخيال، بحكم أنها منطقة الأثرياء في قطر.
وأضاف نبيل أنه خلال رحلة بحثه عن شقة صادف مجموعة من النماذج؛ من بينها بيت في إحدى الضواحي، وقد قسم إلى أربعة أقسام، كل قسم يفترض أن يكون شقة منفصلة، حيث أصبحت كل شقة شبيهة بقبر، لكونها تتكون من غرفة نوم واحدة وحمام صغير، واصفا إياها بسجن وسط الدوحة.
وتابع نبيل أن المقابل الشهري لما وصفها بأنها "سجون" يصل إلى 2500 ريال قطري؛ أي ما يعادل 6 آلاف درهم مغربي، وهو مبلغ كبير جدا، مشيرا إلى أن أحد مناديب البحث عن السكن عرض عليه غرفة للسائق، مقابل ألفي ريال، قبل أن يستقر في سكن مشترك يجمعه مع مواطن مغربي وآخرين من تونس.
من جهة أخرى، تقول أسماء التي اختارت أن تتغرب عن المغرب من أجل العمل في قطر كمندوبة مبيعات لمستحضرات التجميل، إنها عانت الأمرين في البحث عن شقة تأويها، مشيرة إلى أن ارتفاع إيجار السكن في الدوحة بلغ مستوى غير معقول، والكثير من الموظفين اضطروا إلى إرسال عوائلهم إلى أوطانهم، لأنهم لم يستطيعوا مجاراة ارتفاع الأسعار غير المنضبطة، سيما وأن العقود تبرم لمدة سنة واحدة فقط، كما أن صاحب الإيجار يمكنه الرفع من السومة الشهرية كما يحلو له، وفي حال رفض الأمر يتم تهديد المكتري بعدم تجديد العقد وإخلاء العقار، فيبقى مهددا بأحد الأمرين.
وتابعت أسماء حديثها بتأكيد أن المشكل الذي يعانيه المغاربة مماثل لما يعانيه مواطنون من باقي الجنسيات، وأن الأمر أصبح أقل حدة في الآونة الأخيرة مقارنة مع السنوات الأولى لمجيئها إلى الدوحة، مؤكدة أيضا أن انتشار العمران في قطر ساهم نوعا ما في انخفاض نسبي للإيجار..
حقوق الإنسان والعمال
عقب الضجة الكبيرة التي خلفها نشر مجموعة من التقارير حول استغلال العمال في قطر، ممن يشتغلون بتشييد وإعمار البلد، فإن الأخير سعى خلال الفترة الماضية إلى إحداث تغييرات تخص العمال، وذلك بإدماج اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الموضوع، وهي التي خطت خطوات كبيرة وجادة في سبيل توفير البيئة المناسبة للعمالة الوافدة بدولة قطر، ومن بينها العمالة المغربية.
وتؤكد الجهات المختصة أن هنالك آليات متابعة دقيقة تتخذها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، للتحري حول الالتماسات والشكاوى الموضوعة من أصحاب العمل والعمال، مشيرة إلى أن معظم المشاكل التي يقع فيها العمال يكون سببها جهلهم بقوانين العمل المحلية في دولة قطر.
وأوضحت الجهات نفسها أن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان قامت بطباعة وتوزيع كتاب (الجيب للعمال). وقالت: "تمت طباعة هذا الكتاب بثماني لغات، ويتم توزيعه على العمال في دولة قطر من خلال حملات التوعية العمالية التي تنظمها اللجنة بشكل مستمر"، وأضافت: "يحتوي هذا الكتاب على كل المعلومات التي ينبغي أن تتعرف عليها العمالة الوافدة إلى دولة قطر، تجنبا لوقوعها في الأخطاء القانونية". وأوضحت الجهات ذاتها أن هذا الكتاب أصبح مرجعية تثقيفية لكل العمال بدولة قطر، وقلل كثيرا من نسبة المشاكل التي كانت تتلقاها اللجنة في السابق.