سعد الدين الديماغوجي
مع
اختار رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، الخروج لمخاطبة الرأي العام المغربي وتوجيه رسائله إلى من يهمه الأمر باللغة الأمازيغية. بدون شك فإن هاته الخطوة التواصلية لديها دلالتها ورمزيتها الثقافية، لكن كان يمكن لظهور العثماني باللسان الأمازيغي أن يكون له معنى سياسيا ومدلولا اجتماعيا لو جاء بعد حصيلة مشرفة لحكومته في ما يتعلق بترسيم اللغة والثقافة الأمازيغية، وليس وسط فشل ذريع في أن تجد الأمازيغية موطئ قدم داخل الحياة العامة.
فبعد 8 سنوات على تنصيص الدستور على ترسيم اللغة الأمازيغية وتشديده على إحداث مجلس للغات والثقافة المغربية مازالت الحكومة تماطل في إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، كما فشلت في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، ورفضت الاستجابة لمطالب الأمازيغ في إقرار السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة رسمية مؤدى عنها، وأظهرت تجاهلا في التفاعل مع مطالبها في حماية ممتلكاتها من الرعي الجائر.
لذلك فإن محاولة تسويق خروج رئيس الحكومة على أنه إنجاز سياسي عظيم لم يسبقه إليه أحد من السياسيين، لا يعدو أن يكون فرقعة إعلامية انتهى مفعولها بانتهاء البرنامج الذي لم يترك أي صدى سياسي أو إعلامي .
لقد كان واضحا أن العثماني لم يكن هدفه إعادة الاعتبار لسلطة الأمازيغية، بل استغلالها فقط كوسيلة للخروج من الدوامة التي توجد بها حكومته بسبب احتجاجات وإضرابات التجار الصغار التي أصبحت تهدد بشكل جدي الاستقرار الاجتماعي.
وحتى الهدف المستتر الذي أخرج رئيس حكومتنا فقد فشل في تحقيقه، لأن مجرد مناقشة رئيس الحكومة لموضوع التجار على القناة الأمازيغية بلسان "تشلحيت" يعيد في الأذهان إنتاج الأحكام الجاهزة والمنمطة حول "الشلح مول الحانوت"، ويقصي بالتالي مئات الآلاف من التجار وأصحاب الدكاكين في المناطق الأمازيغية بالريف والأطلس والمدن الداخلية، حيث التجار ليسوا بالضرورة كلهم أمازيغ، والذين وجدوا أنهم غير معنيين بخطاب رئيس حكومة كل المغاربة وليس فئة منهم، بينما كان الحل البسيط أمام العثماني أن يتوجه إلى دار لبريهي ويخاطب التجار عبر القناة الأولى بالدارجة التي يفهمها كل التجار المغاربة في كل مناطق المغرب.
وبدل أن يشكل خروج رئيس الحكومة جزءا من الحل لمعضلة اجتماعية خانقة أصبح جزءا من مشكل ثقافي، لأنه لم يفهم أن سوء الفهم الكبير بين الحكومة والتجار ليس لغويا أو إثنيا ينبغي حله على ملعب السياسات الثقافية و"ماركوتينغ" اللغوي، بل يتعلق بقرارات وسياسات حكومية ارتجالية تجهز في عمقها على ما تبقى من هامش ضيق يسمح للتجار بكسب شيء من قوتهم اليومي.
لقد كان على رئيس الحكومة أن يعلن قرارات واضحة تجاه التجار تهدئ من روعهم وتطمئنهم، وليس لوك الكلام ذاته بالأمازيغية بحثا عن كسب عطف التجار بإخبارهم بأن رئيس حكومتهم كان يعمل مساعد تاجر وأنه يشعر بمشاكلهم أكثر من غيرهم.
التجار لا ينتظرون من رئيس الحكومة أن يحس بمعاناتهم وأن يتكلم معهم بتاشلحيت، التجار ينتظرون من رئيس الحكومة حلولا لمشاكلهم وأن يتكلم معهم لغة الوضوح والفعالية.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية