خط أحمر
مع
على امتداد عقود طويلة، ظلت العلاقات بين الرباط وعواصم الخليج العربي تتمتع بمكانة استراتيجية ومصيرية، إلى درجة وقع معها الاقتناع واليقين بأن تعاقب ملوك الأسر الحاكمة على العروش لا يمكن أن ينال من الاحترام المتبادل مهما كانت تقلبات المناخ الديبلوماسي وحساباته الظرفية.
لذلك، كان صادما لمشاعر الدولة المغربية بشعبها ورموزها، أن تتخلى بعض هذه الدول الشقيقة بسهولة عن الواجبات التي تفرضها علاقة تاريخية متينة، لكي تطعن حليفا استراتيجيا في الظهر، فقط لأنه اختار ممارسة حقه في ممارسة الحياد بين الأشقاء في خلافاتهم البينية.
ويبدو أن بعض القادة العرب لم يستوعبوا بعد أن المغرب، الذي يرجع تاريخ تأسيس دولته إلى 12 قرنا خلت، بلد مستقل في قراراته، وأنه حليف وشريك، لكنه ليس دولة تابعة تأتمر وتنتهي بأوامر ونواهي أي بلد كيفما كان نوعه. لذلك فعندما انفجرت الأزمة الخليجية ظلت الديبلوماسية الرسمية المغربية حذرة وهي تحاول إمساك العصا من المنتصف في موقفها من الأزمة، والوقوف على مسافة واحدة بين الجميع، وبذل الجهد المضني والمكلف لإعادة المياه إلى مجاريها بين دول مجلس التعاون.
ولعل ما زاد من استياء المغاربة وغضب الديبلوماسية المغربية، أن بعض الأشقاء تناسوا بسرعة ثقل تاريخ علاقتهم بالمغرب ووحدة المصير المشترك، وشرعوا في اللعب بنار السيادة الوطنية والوحدة الترابية لبلدنا بدون سابق إنذار، معطين الضوء الأخضر لقنوات فضائية لصب مزيد من الزيت على نار العلاقات المتوترة وصلت إلى حد إجبار المغرب على اتخاذ قرار الانسحاب من التحالف العسكري في اليمن، واستدعاء السفير المغربي من الرياض للتشاور، كما أعلن هذا الأخير في تصريح صحافي.
وطبعا لم نكن في حاجة لهذا التوتر الديبلوماسي المفتعل وسوء الفهم العابر بين بلدان شقيقة تجمعها روابط التاريخ والدين واللغة والمصير المشترك، لكن لم يكن أمام الدولة المغربية، وهي الأمينة والمؤتمنة على الالتزام بسيادة البلاد، من خيار للتحرك، غير إظهار موقف الامتعاض والرفض تجاه سلوك غير ودي من دول قدمنا من أجلها الكثير ولم نتوقع أن تطعننا من الخلف.
فالمغرب قد يتساهل في التعامل مع بعض التعبيرات المستفزة التي تصدر من بعض الأشقاء، لكنه لا يمكن أن يجامل أحدا مهما كانت مرتبته في مسألة السيادة الوطنية التي تبقى خطا أحمر لا يمكِن تجاوزه ولا التسامح فيه مع أي جهة، ولا المساومة عليه، لأن الأمر يتعلق بثوابت الدولة المغربية التي هي أكبر بكثير من تغير في المواقف الديبلوماسية والعلاقات بين الدول الخاضعة لمتغيرات المصالح العابرة.
للأسف، لم يدرك الأشقاء بالخليج أن ما أقدمت عليه تلك القناة الرسمية يعتبر بمثابة مس خطير بسيادتنا ووحدة ترابنا، لا يمكن السكوت عنه من قبل من يفترض أنه حليف دافع عنه المغرب بالقوة العسكرية والمواقف الديبلوماسية حينما كانت حدوده تتعرض للاعتداء، ووقف سدا منيعا إلى جانبه ودافع عن سيادته على حدوده.
وأخيرا نقول إن علاقات بلدنا بالأشقاء في الخليج ستظل استراتيجية، لكن المغرب شعبا وملكا لن يقبل بتاتا المس بشرعية بلدنا على أراضيه. فالسيادة ووحدة الأراضي خط أحمر لا يمكن لأي دولة تجاوزه وجعله موضوعا للمناكفات الديبلوماسية، فهي من الثوابت الأساسية للدولة المغربية التي لا نقبل المساس بها تحت أي ظرف من الظروف.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية