لعبة الاختباء وراء الملك
مع
من يرصد تصريحات عبد الإله بنكيران، منذ كان رئيسا للحكومة، يلاحظ أنه يكرر اسم الملك مئات المرات خلال دردشاته وقفشاته، ولقاءاته الصحفية والحزبية والرسمية. وخلال كل سياق يوظف بنكيران استعماله المكثف لاسم الملك لتحقيق أهدافه السياسية، مرة من أجل إضفاء المشروعية على قراراته، وأخرى لسحب الشرعية عن خصومه، ومرة لإظهار عطف الملك عليه، وفي كثير من الأحيان للتهرب من المسؤولية ورميها في ملعب أعلى سلطة في البلد، وفي بعض الحالات تتم الاستعانة بها للخروج من مأزق سياسي، رغم أن الملك محمد السادس كان أكثر وضوحا في نقد هذا الأسلوب من الممارسة السياسية في خطاب العرش 2017، حينما قال: «عندما لا تسير الأمور كما ينبغي الفاعل السياسي يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه».
في قصة المعاش الاستثنائي، لم يجد عبد الإله بنكيران من جدار للاحتماء وراءه تجاه تسونامي النقد والجلد الذي تعرض له، سوى إقحام الملك ومستشاره فؤاد عالي الهمة للتحلل من المسؤولية، وتقديم نفسه على أنه مفعول به وليس فاعلا، وأنه اضطر لقبول التفاتة ملكية لم يطلبها لأن كرامته تمنعه من أن يطلب أي شيء إلا من الله، كما قال في «اللايف» الذي ينقله سائقه.
لكن، لماذا فضل بنكيران الاختباء وراء الملك؟
من الواضح أن إقحام بنكيران للملك في موضوع معاشه، ليس رد فعل ساذجا من «حيوان» سياسي يحسب كل خطواته قبل الإقدام عليها، فبعيدا عن رسالة الزيف التي حاول تسويقها للعامة بأنه كان يعاني شظف العيش وأن وضعه وصل إلى علم الجالس على العرش، الذي اتخذ ما يلزم ليس لأنه بنكيران بل لأنه رئيس حكومة سابق للدولة المغربية، فإن توظيف «زعيم البيجيدي» للملكية ينطوي على تحقيق أهداف متداخلة وإسقاط الكثير من الطيور بحجرة واحدة.
أول الأهداف الاستعانة بالملك للخروج من عاصفة النقد التي وجد نفسه وسط أمواجها العاتية بسبب استفادته من معاش شن عليه حربا ضروسا خلال المعارضة، وجعل منه مصدرا لربح نقاط سياسية، مع أنه كان يعلم أن المعاشات الاستثنائية يؤشر عليها الملك.
ثاني الأهداف التحلل من المسؤولية في الاستفادة من معاش استثنائي ورمي الكرة الى ملعب الملكية، وإظهار نفسه أنه وضع في موقف حرج جعله يقبل على مضض قرار الملك، وبالتالي فالانتقاد ينبغي أن يتوجه إلى مصدر القرار وليس لمنفذه.
ثالث الأهداف إظهار رضا الملك عليه، وأنه لم يخرج من رقعة السياسة مغضوبا عليه، بل إن التفاتة المعاش الاستثنائي وضعته في مصاف شخصيات سياسية تحظى بحب الملك وتقديره، مثل الوزير الأول لحكومة التناوب عبد الرحمان اليوسفي.
رابع الأهداف استغلال ورقة الملكية لإعادة التموقع في صراع تنظيمي داخلي، في محاولة للعودة إلى الواجهة التنظيمية خلال الاستحقاقات المقبلة.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية