ماذا بعد مشاركاتنا في تقويمات دولية تكلف مليار سنتيم لكل تقويم؟
مع telemaroc
بلغت الدراسات الدولية، التي يشارك فيها المغرب طيلة ربع قرن، أكثر من سبع دراسات، يتم تمويلها بشكل مباشر من المالية العامة، أو عبر مانحين دوليين يمولون هذه الدراسات مقابل التدخل في قرارات تعليمية. وفي الوقت الذي يفتخر فيه متخذو القرار التعليمي ببلادنا بكون المغرب أول دولة عربية وإفريقية تشارك في تقويمي «تيمس» و«بيزا»، ها هو يفتخر هذه الأيام بمشاركته لأول مرة في دراسة دولية تحمل اسم «طاليس». ففي مقابل مشاركاتنا القياسية، نجد عدم استثمار لنتائج هذه الدراسات، اللهم إلا التناول الإعلامي والسياسي الذي يتم فيه تنظيم بكاء جماعي على واقع ومستقبل التعليم ببلادنا، لكون نتائج كل عشرات الدراسات التي شاركنا فيها تشير إلى أن تعليمنا في الحضيض قياسا لأنظمة تعليمية دولية شاركت هي كذلك.
من يستفيد من حمى الدراسات الدولية؟
إقبال المغرب على الدراسات الدولية بات «علامة» مميزة لنظامنا التعليمي منذ ما يزيد عن ربع قرن، لكن المشكلة هي أننا لا نتعدى عتبة المشاركة، إذ في كل مرة نتلقى صفعات تلو الأخرى، لكون تعليمنا مايزال سيئا قياسا لكل المؤشرات التي تضعها هذه الدراسات. ففي الرياضات واللغات والقراءة والكتابة مازلنا في الرتب المتأخرة دوليا، وفي الوقت الذي أصبح فيه الخطاب الرسمي للدولة متقبلا لحقيقة تخلف تعليمنا، ها نحن نشارك مرة أخرى في دراسة جديدة لأول مرة تحمل اسم «TALIS»، والنتيجة، كما سنرى بعد أشهر من الآن، هي أننا سنحتل المراتب المتأخرة من لائحة تضم 60 دولة ستشارك في هذه الدراسة.
المتتبع لنتائج الدراسات الدولية التي صدرت طيلة ربع قرن، سيلاحظ أن الوزارة الوصية لا تستثمر نهائيا هذه النتائج في وضع سياسات جديدة على مستوى تكوين المدرسين وتجويد المناهج ووسائل التعلم والحياة المدرسية، بل تكتفي ككل مرة بتسخير وسائل الدولة وإمكاناتها في المشاركة من أجل المشاركة..، لتبقى الجهة الوحيدة المستفيدة من كثرة هذه الدراسات ثلة من «الخبراء» المحظوظين، ذوي ارتباطات مع مسؤولين في مديرية التقويم التابعة لوزارة التربية الوطنية، وكذا مع ممثلي المنظمات الدولية المختلفة التي تتدخل في الشأن التعليمي للمغرب باسم التعاون الدولي.
يتعلق الأمر، حسب مصادر من داخل وزارة التربية الوطنية، بـ«خبراء»، منهم مفتشون وأساتذة في مراكز التكوين، ذوي ارتباطات بمسؤولين مركزيين، في الوحدة المركزية لتكوين الأطر، وكذا مديريتي التقويم والمناهج، يتم تكوينهم في مرحلة أولية من طرف خبراء دوليين يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة، إذ تتجاوز رواتبهم، حسب مصادر موثوقة، 12 ألف دولار عن كل يوم عمل، ليتكفل «الخبراء المغاربة» المحظوظون بتكوين منخرطين آخرين، يمثلون الأكاديميات والمديريات الإقليمية برواتب تتجاوز 12 ألف درهم شهريا.
المصادر ذاتها تتحدث عن كون هؤلاء الخبراء المغاربة يشاركون في كل الدراسات الدولية مهما كانت الجهة التي تقف وراءها، وهم أنفسهم يستفيدون من الريع المستشري في المديريات المركزية سابقة الذكر، وتحديدا في مديرية المناهج، من قبيل احتكارهم لتأليف الكتب المدرسية، ومشاركتهم في مختلف اللجان التي يتم تأليفها على مدار السنة، فضلا عن مشاركتهم، هم أنفسهم، في ما يُعرف بـ «البرنامج الوطني لتقويم المكتسبات PNEA».
مع الإشارة هنا إلى أن المغرب سيشارك في دراسات دولية أخرى لأول مرة، أبرزها الدراسة ICCS (الدراسة الدولية للتربية المدنية والمواطنة)، وأيضا الدراسة ICILS (الدراسة الدولية للمعرفة في مجال الحاسوب والمعلومات). لتصل عدد الدراسات الدولية إلى سبع دراسات إلى جانب الدراسات المختلفة التي تقوم بها بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة، على غرار اليونسكو واليونيسيف، وأيضا الدراسات التي يقوم بها البنك الدولي.
متى نتجاوز سقف «المشاركة من أجل المشاركة»؟
استثمار نتائج الدراسات الدولية لا يتعدى حدود التوظيف السياسي، حيث يتم استغلالها من طرف المعارضة لانتقاد الحكومات، وهذه الأخيرة توظفها أيضا في مسح الطاولة من جديد وإجراء مراجعة شاملة لكل السياسات التعليمية السابقة والبدء من الصفر. لاحظنا هذا قبيل البرنامج الاستعجالي، واستمر هذا التوظيف السياسوي للدراسات الدولية اليوم بتعيين شكيب بنموسى، حيث شكلت نتائج آخر دراسة دولية، والمعروفة باسم «بيرلس»، مصدر انتقاده للوضع التعليمي وتبرير التراجع عن السياسة التعليمية التي وضعها سلفه والمعروفة بـ«حازمة المشاريع»، مع وضع تصور إصلاحي جديد يحمل اسم «خارطة الطريق».
الدراسة الجديدة التي يُشارك فيها المغرب، لأول مرة، تروم البحث في خصائص المدرسين والمؤسسات، وممارسات المدرسين وبيئة الفصول الدراسية، وأهمية القيادة التربوية وكذلك الطرق التي يتم بها اعتماد التدريس باستخدام التقييم والتغذية الراجعة. وتتضمن الدراسة أيضًا وحدة جديدة: استمارة معارف المدرس (TKS) الخاصة بمستوى التعليم الثانوي الإعدادي. وباعتبار المدرسين متخصصين في المعرفة التربوية، فإن معارفهم تعكس إلى حد كبير طرق تدريسهم وكيفية تعلمّ تلامذتهم.
وتسمح المقارنة الدولية للبلدان المشاركة، حسب المجلس الأعلى للتربية والتكوين، بتحديد البلدان التي تواجه تحديات مماثلة والتعلم من مقاربات مختلفة عن السياسات التربوية الوطنية. وسيقدم المديرون والأساتذة معلومات حول قضايا التدريس والتعلم، مثل التعليم والتعلم المهني، والممارسات المهنية والتربوية، والتصورات المهنية، بالإضافة إلى القضايا المعاصرة لأنظمة التعليم، مثل التنوع والإنصاف، والتعلم الاجتماعي والعاطفي للتلاميذ، واستخدامات التكنولوجيا.
الدراسة «طاليس» هي أول دراسة دولية تركز على البيئة التعليمية وأوضاع الهيئة الإدارية والتدريسية في المدارس. وتقدم فرصة توفير البيانات لتحليل وتنمية السياسات التعليمية للمعلمين ومديري المدارس. وتسمح للدول المشاركة بالتعرف على الآخرين الذين يواجهون التحديات نفسها من أجل التعلم من نهج السياسات الأخرى.
وأجريت الدورة الأولى من (TALIS) في عام 2008 بمشاركة (24) دولة. وتم تطبيق الدورة الثانية في عام (2013) بمشاركة (34) دولة. بالإضافة إلى (4) دول شاركت في إدارة الدراسة في عام ( 2014). ونسخة هذه السنة (2023) ستعرف مشاركة 60 دولة، من بينها ثلاث دول عربية هي المغرب، البحرين والسعودية.
تشمل هذه الدراسة معلمي صفوف الحلقة الأولى والحلقة الثانية والحلقة الثالثة ومديري مدارسهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدول المشاركة تطبيق دراستها على المدارس التي شاركت في (بيزا) وذلك للسماح بالربط بين الدراستين على مستوى المدرسة، ويتم اختيار المعلمين عشوائياً في الدول المشاركة كجزء من دراسة (TALIS)، ويتم في المدارس المشاركة أخذ عينات (20) معلم – باستثناء الصغيرة جداً منها.