موت المقاولات
مع Télé Maroc
مفارقة اقتصادية صادمة التي كشفت عنها دراستان هامتان، ففي اللحظة التي أدرجت فيها مجلة «بيزنس إنسايدر» الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد، عبر فرعها الإفريقي، المغرب ضمن 10 بلدان في قارة إفريقيا الأفضل للاستثمار فيها خلال العام الجاري 2022، متبوعا بمصر في المرتبة الثانية، ثم في المرتبة الثالثة دولة جنوب إفريقيا، كانت هناك دراسة وطنية أنجزتها مؤسسة «أنفور يسك» تكشف عن أرقام صادمة تقول إن عدد الشركات التي شرعت في مسطرة التصفية القضائية وإعلان الإفلاس، خلال سنة 2021، يناهز 10556 شركة.
هل نعي جيدا ماذا يعني إغلاق آلاف الشركات لأبوابها؟ يعني موت الآلاف من مناصب الشغل، وقتل مئات الملايين الدراهم من الموارد المالية للدولة، وتشريد الآلاف من الأسر، وإضافتهم إلى من يقبعون تحت عتبة الفقر.
إن أصحاب المقاولات الصغرى والمتوسطة يعملون في صمت ويقاومون لوحدهم على قدر المستطاع، فهم لا يطالبون بالدعم المادي أو الاستفادة من الامتيازات الريعية، بل الذي ينتظرونه هو الاعتراف بدور هذه المقاولات السوسيو اقتصادي، وإسنادها من أجل الحصول على حقوقها المشروعة. فبفضل إرادتها القوية والمثابرة، استطاعت بعض المقاولات الصغرى والمتوسطة الاستمرار، في حين دخل معظمها مرحلة الموت الإكلينيكي، في انتظار ضخ قدر كبير من الأكسجين أو تركها لمصيرها الحتمي بالإفلاس.
بكل موضوعية حاولت الحكومات السابقة والحالية إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المقاولات، عبر إجراءات معزولة وانتقائية تخفف ظرفيا من الصعوبات الذاتية والموضوعية التي تواجهها، لكن ذلك لن يكون كافيا، في غياب استراتيجية وطنية وبرنامج وطني مستعجل لإنقاذ المقاولات الصغيرة والمتوسطة. فتخصيص الحكومة لـ 14 مليار درهم، لتجاوز معضلة تأخر آجال الأداء وتوصل المقاولات بمستحقاتها لسداد ديونها، ليس سوى واحد من إجراءات عملية الإنقاذ، لكن في غياب منظومة قانونية منصفة، وهشاشة الموارد البشرية والمالية، واحتكار المقاولات الكبرى للصفقات العمومية، لن تجدي مثل هاته التحركات المعزولة.
هذا الوضع المقلق الماس بحياة المقاولات الصغرى والمتوسطة الآخذة في التقلص، مع ما تمثله هذه المقاولات من أهمية في تخفيف عبء البطالة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وحماية السلم الاجتماعي، يحتاج من السلطات العمومية ليس فقط مساطر وقوانين ومناخ أعمال يقوي أساسها ويساعد في إنمائها، في اتجاه التحول من مقاولات صغرى إلى متوسطة فكبيرة، بل قبل ذلك توفر الإرادة السياسية والاقتصادية، التي تقبل بعقلية الإنصاف والعدالة، أثناء الاستفادة من الإجراءات والصفقات العمومية والخاصة.