افتتاحية الأخبار.. خطاب الثقة والتحدي والأمل
مع تيلي ماروك
رغم أن الخطابات الملكية المهمة التي يلقيها الملك محمد السادس، تحولت إلى مرجعيات في السياسات والقرارات العمومية، إلا أن الخطاب الأخير الذي ألقاه الملك في ذكرى المسيرة الخضراء يحمل طابعا خاصا، فهو خطاب اختزل في طياته معنى الانتصار الدبلوماسي ورهان التحدي التنموي بالأقاليم الجنوبية، حيث لا يمكن الفصل بين المشروعية الدبلوماسية والشرعية التنموية.
فمن مسلمات التدبير الملكي لقضية الصحراء المغربية طيلة العقدين الأخيرين، كونه تجاوز الانشغال الدبلوماسي والترافع الدولي لإثبات حقوق المغرب على صحرائه، إلى الاعتماد على وضع بنية اقتصادية وتنموية مستقرة تهم أقاليمنا الجنوبية، فالمشاريع التنموية الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس، منذ توليه العرش، هي التي أهلت بلدنا لممارسة فعل دبلوماسي دولي واقعي يتسم بالجدية والاحترام من لدن المنتظم الأممي، وفي المقابل حشر الأطروحة الانفصالية في الزاوية الضيقة والعزلة الدبلوماسية.
واليوم يسير الخطاب الملكي قدما في المزاوجة الناجحة بين فعل دبلوماسي كسب مساحات كبيرة من المصداقية والشرعية على المستوى الأممي والقاري، وبين فعل تنموي يوسع من دائرة مشروعية الإنجاز في أقاليم الجنوب. لقد بات لدينا مساران مترابطان تماما لا انفصال بينهما، المسار الدبلوماسي القريب من الحسم النهائي الذي يتخذ شكله التصاعدي كل يوم، والمسار التنموي الذي يحقق إنجازات على الأرض، ولا ريب سيؤدي إلى تغيير في قواعد اللعبة السياسية الدولية، التي لا مكان فيها لفكرة أو مشروع للانفصال.
لذلك يعتمد الملك مقاربة متبصرة وحكيمة، تتوخى من جهة الوصول إلى تفاهمات وتوافقات بأدوات الدبلوماسية، وتحت سقف السيادة الوطنية وليس خارجها، لكن بالموازاة مع ذلك، عدم الرضوخ لقدر الانتظارية واستعمال أدوات التنمية المناطقية والعدالة المجالية، ورفع كل مظاهر الإقصاء والتهميش التنموي، حتى لا تتحول تلك المظاهر إلى ورقة بيد دعاة الانفصال يركبون عليها لتسويق أطروحاتهم. وبدون شك فقد آتت هذه السياسة أكلها، وسحبت البساط من استغلال العجز التنموي في التحريض والتجييش.
الجديد في المقاربة الملكية للأهمية التي تحظى بها الصحراء في الرؤية الاستراتيجية للدولة المغربية، باعتبارها امتدادا نحو العمق الإفريقي ودورها كبوابة لإفريقيا، وهو التنمية من داخل الثروات البحرية من خلال حسم الوضع القانوني للحدود البحرية مع الجارة إسبانيا، وجعل ميناء الداخلة المتوسط بوابة الواجهة الأطلسية، والاستثمار في تحلية مياه البحر للحد من شبح العطش. وبدون شك فإن هذا التوجه الاستراتيجي سيمتد أثره الايجابي إلى قطاعات موازية مثل قطاع السياحة، حيث تمتاز الصحراء المغربية بغناها الطبيعي والفريد، وتوفرها على البحر والرمال وعمق الصحراء، وكذا الثقافة الحسانية، إضافة إلى القطاع الفلاحي، وكل ما يتعلق بالمخطط الأزرق، خاصة أن المنطقة لها دور كبير في إنتاج الثروة السمكية.
في الحقيقة ما يجعل المقاربة الملكية ذات أثر إيجابي وتحظى بالاحترام من طرف الخصوم قبل الأصدقاء، أن من يخوضون معارك الانفصال يخوضونها بشكل أكثر عشوائية من ناحية، ومن ناحية أخرى يخوضونها من دون هدف سياسي وتنموي واضح، باستثناء الشعار المفترى عليه مسمى «تقرير المصير»، حتى بات تصرفهم بكامله صبيانيا وبهلوانيا في آن واحد، خصوصا مع تعاظم انتصار الدبلوماسية المغربية وتنزيل المشاريع التنموية، اللذين أججا حماقات جبهة البوليساريو ودفعاها إلى التحول إلى قطاع طرق.
ومن هذه الزاوية دعا الملك محمد السادس إلى تحكيم صوت العقل والتبصر الذي تلتزم به الدولة المغربية من منطق القوة لا الضعف، حتى لا تدخل المنطقة في توترات وفوضى ومصير مجهول ليس في مصلحة أي طرف من الأطراف، والخطاب في عمقه يقول للمغرر بهم إن الفرصة ما زالت مواتية أمامكم لاستدراك ما فات قبل فوات الأوان.