قصة حب اليوسفي وهيلين...ابنة خياط يوناني حركت قلب مناضل استثنائي
مع تيلي ماروك
لم يكن عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول الأسبق الذي وافته المنية صباح أمس الجمعة، يعتقد أن زيارة خياط لاقتناء بذلة سيغير مسار حياته العاطفية، كما لم يكن الخياط اليوناني يتوقع أن الزبون سيتقدم لخطبة ابنته هيلين.
تنحدر هيلين من عائلة ذات أصول يونانية، فقد كان جدها يتاجر في البواخر بين تركيا وروسيا لعقود، وبعد الحرب العالمية الأولى، اضطرت عائلتها إلى الرحيل لفرنسا حيث ولدت هيلين، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، قرر والدها الانتقال إلى المغرب، وهو ما تم في عام 1947، حيث فتح محلا للخياطة في مدينة الدار البيضاء.
نظرة اللقاء الأول
يقول اليوسفي إنه تعرف على الخياط العصري الذي هيأ له بذلة بيضاء كان سيرتديها في عرض مسرحي أقيم بمناسبة نهاية السنة الدراسية، فدعاه إلى وجبة عشاء حضرتها ابنته هيلين، فكانت النظرة والابتسامة والموعد ثم اللقاء.
ومن أغرب المواقف في علاقة عبد الرحمن بهيلين أن الخطبة دامت لأزيد من 21 سنة، ساهمت في تمديدها سلسلة الاعتقالات التي حصلت لهذا المناضل الطنجاوي، وفي سنة 1965 قررت عائلة هيلين مغادرة المغرب بصفة نهائية، حيث استقرت في مدينة كان بالجنوب الفرنسي، وفي سنة 1968 تم عقد زواج عبد الرحمن وهيلين ببلدية الدائرة السادسة لمدينة باريس.
منذ أن استقال من السياسة، واختار المغادرة الطوعية في مسكنه بمدينة كان الفرنسية، أصبحت زوجته ماري هيلين اليوسفي مستشارته وممرضته وسكرتيرته الخاصة، بعيدا عن صخب الحياة السياسية المغربية، لذا ما أن أعلنت عن انشغالها بكتابة مذكراتها حتى أصيب كثير من الفاعلين السياسيين بنوبة إسهال، سيما أمام الصمت المخيف لرفيقة درب اليوسفي، فهي العلبة السوداء للقيادي الاتحادي والوزير الأول الذي قاد تجربة التناوب التوافقي سنة 1998، لذا كانت تصر على تسميته بالعم عبد الرحمن، وهي التسمية التي أطلقها عليه الملك الحسن الثاني حين قدمه لأول مرة لولي عهده الملك الحالي للبلاد محمد السادس.
قراءة وأسفار
حسب قيادي شبابي اتحادي كان محسوبا على تيار اليوسفي في صراعه مع اليازغي، فإن زوجة عبد الرحمن كانت أسعد الناس بعد سماع خبر إنهاء مهام زوجها من طرف الملك محمد السادس، علما أن اليوسفي «كان ينوي التخلي عن منصبه لقيادي اتحادي آخر لا يصلح للمرحلة حسب معايير المخزن».
ولأنهما لم يرزقا بأبناء، فإن عبد الرحمن وهيلين يعوضان هذا الخصاص الوجداني بزيارة أصدقاء العائلة في كان ونيس، ويدمنان على القراءة والأسفار، علما أن الزوجة اليونانية الأصول رافقته في كثير من رحلاته إلى عدد كبير من دول المعمور كالهند والصين والأردن وباكستان والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج ودول جنوب الصحراء.
حتى في تنقلاته، فإن هيلين تصر على لعب دور الممرضة، إذ تحرص على منح زوجها جرعات الدواء في وقتها وتعينه على اختيار ملابسه، بذوق رفيع وهي القادمة من عمق الحضارة اليونانية رغم جنسيتها الفرنسية، ورغم تقدمها في السن إذ يفوق سنها التسعة عقود من الزمن. لكن الآية تنقلب أحيانا فيتحول عبد الرحمن إلى ممرض رئيسي للزوجة، سيما بعد أن تعرضت ذات يوم لكسر في إحدى قدميها جعلته يرافقها طيلة فترة العلاج والنقاهة مؤجلا كل التزاماته.
سكن بسيط
رفضت هيلين مقترحا تقدم به الملك الراحل الحسن الثاني لعبد الرحمن وزيره الأول يقضي بمنحه فيلا بحي الأمراء بالسويسي، وظلت تقطن رفقة زوجها في شقة مكتراة في العاصمة الرباط، تتكون من غرفتين ولا تتجاوز مساحتها سبعين مترا، بأحد أزقة حي أكدال، كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يدفع ثمن إيجارها المحدد في 2000 درهم، بل إنها دفعته لاستئجار غرفة في فندق سندس بشارع ابن سينا باشر فيها مفاوضات تشكيل الحكومة، وأحيانا يقيم في بيت أحمد لحليمي أمين سره.
لكن أصعب الأيام هي التي قضتها هيلين مع زوجها في المنفى حين كان ممنوعا من دخول المغرب، قبل أن تنفرج الأزمة وترافقه على متن الباخرة سنة 1981 إلى بلاده حيث التقى بوالدته بعد طول هجر.
وعلى الرغم من المغادرة الطوعية للعمل السياسي، إلا أن هيلين التي ترد على المكالمات الهاتفية الخاصة بعبد الرحمن كانت سعيدة بتلقي مكالمة من ملك البلاد محمد السادس أثناء احتفال زوجها بعيد ميلاده التسعين. «قام الملك بالتفاتة جميلة شملتني أنا والأصدقاء الذين احتفلوا معي بالمناسبة»، يقول اليوسفي في حوار صحفي. فيما كشفت زوجته عن وجود مشاورات بين القصر وزوجها «كلفه الملك بعدة مهمات خارجية في إطار ملف الصحراء، ولكن منذ قرار اعتزال العمل السياسي احترم سيدي محمد رغبته، وكانت المرة الأخيرة التي طلب رأيه فيها لدى تشكيل الحكومة التي قادها عبد الإله بنكيران في سنة 2011».
يكسر هيلين وعبد الرحمن روتين حياة الاعتزال، ويستغلان فرصة السكن في مدينة كان عاصمة السينما، لحضور مهرجانها السنوي، لكن في «صفوف العامة وليس على البساط الأحمر بين النجوم»، تقول هيلين. كما شجعته على تجديد الاتصال بالكرة حين ظهر في احتفالات فريق الاتحاد البيضاوي الذي يعد من مؤسسيه.