هكذا أفشلت الحروب الداخلية والتهافت على التعويضات تسيير "البيجيدي" لأكادير
مع
«فريق تائه، ليس لديه مدرب ولا حارس، أنتج مكتبا مرتبكا، يرأسه رئيس غائب عقلا وجسدا»، هكذا وصف أحد مستشاري المجلس الجماعي لأكادير، وهو عضو بحزب العدالة والتنمية، مكتب المجلس الجماعي الذي يدير شؤون مدينة من حجم أكادير. وصف يلخص الوضعية الكارثية لتدبير الشأن العام الجماعي بعاصمة سوس من قبل «الإخوان» بالأغلبية المطلقة دون مشاركة أي حزب آخر. اليوم مرت حوالي أربع سنوات من عمر المدة الانتدابية، غير أن واقع الحال يكشف بما لا يدع مجالا للشك أن الوضعية هي هي دون تغيير، بل إن المدينة قد تقهقرت إلى وضع أسوأ، فالتهليل الذي صاحب تولي «البيجيدي» شؤون المدينة، بدنو غد أفضل، سرعان ما خبا، والمشاريع التي بشّر بها «الإخوان» وأتباعهم تعثرت، وحلت محلها حروب وصراعات داخلية كشفت معدن الفريق المحب للسلطة والتحكم.
منذ تشكيل مكتب مجلس جماعة أكادير برئاسة أستاذ التربية الإسلامية المتقاعد صالح المالوكي، لم تكن حالته «الصحية» على ما يرام، فهو قد جمع في لائحته بعض المتناقضات التي لم تكن لإيديولوجية الحزب دورا في إخمادها، بل كانت «فتنة نائمة» أيقظتها حلاوة الامتيازات والمصالح، فبرزت للعلن، وانكشفت بذلك حقيقة مكتب المجلس. فالبعض ممن كان يمني النفس بموقع متقدم مريح، وجد نفسه في دكة الاحتياط، والبعض ممن كان مغمورا، لم يشارك في أي استحقاق، أوجد لنفسه مكانا متقدما محظوظا. حالة جعلت مكتب المجلس في وضعية «شرود»، زاد من وطأتها الغياب التام للرئيس الذي وجد نفسه فجأة محاطا بمسؤوليات جديدة ومناصب متعددة، لم يكن يحلم بها، بعد أن دفع به بن كيران لوكالة لائحة الحزب بالإقليم والحصول على منصب برلماني بعد طول انتظار. ابتعاد الرئيس عن التسيير وتدبير الشأن العام الجماعي، جعل بعض النواب ينفردون باتخاذ قرارات بعضها جر الويل على الجماعة، وخلق شرخا داخل المكتب المسير. نواب يسيرون ويتولون الصغيرة والكبيرة، ويدبرون البشر والحجر والآليات، وزملاء لهم متفرجون منزوعو الصلاحيات، وظيفتهم التصويت ورفع الأيادي خلال الدورات. فلم تكد تنتصف الولاية الانتدابية حتى اشتعلت «النيران» داخل المكتب، بعد محاولات كثيرة لإطفائها في مهدها، لكن لم تنجح «الوصفات» المتخذة، ولم ينجح حتى قادة الأمانة العامة للحزب في تطويقها بعد أن ظهرت تيارات وأحلاف داخل المكتب المسير بالكامل من حزب العدالة والتنمية، فبرزت للعلن، وقدم بعض النواب والمستشارين استقالاتهم من المجلس بصفة نهائية، ومنهم من قدم استقالته من المجلس الجماعي ومن الحزب أيضا.
مكتب جماعي للسفريات والتعويضات
غداة استقالة المستشار الجماعي بحزب العدالة والتنمية سعيد ليمان، كشف هذا الأخير معطيات جعلت جل أعضاء ونواب ومستشاري الحزب بجماعة أكادير، في موقع شبهة، الأمر الذي أرخى بظلاله على تدبير شؤون الجماعة. فحزب «المصباح» بجماعة أكادير يقول سعيد ليمان «لديه نواب هم أقرب إلى الجهلاء في مجالات تفويضهم، ومنهم نواب لا يتقنون لغة موليير التي تكتب بها العديد من الوثائق والمراسلات التي تتواصل بها الجماعة مع معظم شركائها، ومنهم نواب ضعاف الشخصيات، يسيرهم موظفو الجماعة عوض العكس، ومنهم من يحمي بعض الموظفين عديمي الكفاءات، والذين تحوم حولهم شكوك بالفساد». ويضيف المتحدث «لدينا نواب تاهوا في الأسفار وكثرة المسؤوليات، وأرهقهم عد مبالغ التعويضات وعائدات السفريات والتنقلات، نواب يحصلون على تعويضات مقابل حضور جلسة أو جلستين في كل ثلاثة أشهر (24 ألف درهم مقابل حضور 8 جلسات على أقصى تقدير)». ويكشف هذا المستشار الذي عايش تجربة «الإخوان» بمجلس الجماعة قبل أن ينزل من سفينة حزب «المصباح» قائلا «هناك من لديهم ثلاثة تعويضات وأكثر، ومنهم يفوق مجموع دخله من الريع 60 ألف درهم». وبإطلالة على ميزانية جماعة أكادير لسنة 2019، يتبين من نفقات التسيير أن مكتب المجلس قد خصص تعويضات سخية لأعضائه، منها 80 مليون سنتيم تعويضات للرئيس ولذويه الحق من المستشارين، و4 ملايين سنتيم مصاريف نقل الرئيس والمستشارين داخل المملكة، و10 ملايين سنتيم مصاريف نقل الرئيس والمستشارين بالخارج، فيما خصص مكتب المجلس مبلغ 10 ملايين سنتيم لمصاريف تنقل الرئيس والمستشارين داخل المملكة، أما مصاريف المهام بالخارج للرئيس والمستشارين فتصل إلى 10 ملايين سنتيم.
مشاريع متعثرة وأخرى لم تر النو
عديدة هي المشاريع التي أطلقها مجلس جماعة أكادير، لكنها تعثرت، وتوقفت، فيما هناك مشاريع كثيرة حملها برنامج عمل الجماعة، لكنها لم تر النور بتاتا، وأخرى ورثها عن المجلس السابق، وهي في مراحلها الأخيرة، لكنه لم يستطع إخراجها إلى حيز الوجود. وفي التفاصيل، نجد مجموعة من الطرقات التي باشر المجلس أشغال تهيئتها وإعادة تعبيدها من جديد، طال أمدها كثيرا وتجاوزت المدة الزمنية المحددة فقط في 10 أشهر، كما أن جودة كل هذه الطرقات ضعيفة لكون المواد المستعملة فيها رديئة. كما تعتري اختلالات كبيرة مشاريع التبليط وتهيئ الأرصفة الخاصة بالراجلين، بل الطامة الكبرى أن بعض الطرقات تم تضييقها بشكل كبير لحاجة في نفس مدبري مكتب المجلس، الأمر الذي نتج عنه اختناق مروري حاد في المدينة. وقد خصص مكتب المجلس مبلغا ماليا ضخما يتجاوز 13 مليار سنتيم لتهيئة طرقات أحياء المدينة، غير أن واقع حال كثير من المحاور الطرقية، يكشف أن حالها قبل التهيئة أفضل مما هي عليه الآن. وقد ميزت أغلب هذه الأشغال العشوائية والتخبط من قبل مقاولات همها هو الجشع، لكن عدم وجود مراقبة من قبل الرئيس ونوابه، وعدم كفاءتهم في مجال مراقبة أشغال البناء، جعل الطرقات والتبليط والأرصفة في حاجة إلى إعادة أشغال جديدة. وتبرز للعيان رداءة العمل بشوارع المقاومة، والبكاي، والقاضي عياض، وابن العربي. كما أن المجلس لم يستطع إلى اليوم استكمال بعض المشاريع التي انطلقت في عهد المجلس السابق كمشروع تهيئة حي تالبورجت، أو تسلم بعض المشاريع الأخرى. إضافة إلى عدم تحقيق أي تقدم في برنامج عمل الجماعة الذي يتضمن عدة مغالطات.
أما بأحياء سفوح الجبال، وهي الأحياء غير المؤهلة وناقصة التجهيز، فقد تركت على حالها، إلى حدود الأسابيع القليلة الماضية، حيث بدأت حمى الاستحقاقات الانتخابية تدنو، فظهر الرئيس وبعض معاونيه في جولات بين أزقة هذا الحي.
ومما يبين عجز مكتب مجلس جماعة أكادير، عجزهم عن إخراج مشروع الحافلات عالية الجودة التي ورثها المكتب الحالي عن سابقه، فهذا المشروع الذي يعول عليه لفتح خطوط نقل حضري جديدة تربط بعض الأحياء المترامية الأطراف، ما يزال متعثرا، بالرغم من أن المجلس السابق كان قد أنجز مختلف العمليات المرتبطة به، سواء عبر توقيع اتفاقية شراكة وتعاون مع مدينة فرنسية، أو من خلال إنجاز دراسات الجدوى والتأثير، وغيرها من العمليات، غير أن المشروع ما يزال يراوح مكانه.
شبهة «فساد» تلاحق مكتب المجلس
فجأة، ودون سابق إعلان، وجد نواب ومستشارو المجلس الجماعي لأكادير، ومعهم ساكنة المدينة، طريقا جديدة قرب بقعة أرضية كبيرة وسط المدينة. فهذه الطريق لا وجود لها في برنامج عمل الجماعة، ولا وجود لها في تصميم التهيئة، كما لا يوجد أي مبرر معقول ومقبول يجعل فتح هذه الطريق أساسية. غير أن البحث سيكشف أن القطعة الأرضية هي لأحد وجهاء المدينة، والذي تربطه علاقة قرابة بأحد نواب الرئيس. وتتداول الألسن أن هناك خطة من أجل رفع سعر الأرض، وأن ذلك لن يكون سوى بفتح محور طرقي محاذ لها، وهو ما تم بالفعل. بل إن الطامة الكبرى أن هذه الطريق اقتطعت من بقعة أرضية مخصصة لتجزئة خاصة بموظفي الجماعة الترابية. وقد تم إحداث هذه الطريق دون سند قانوني، سوى خدمة لوبيات المدينة. وقد وصلت القضية إلى مكتب سعد الدين العثماني، بعدما قام ثمانية منتخبين بالمجلس من بينهم أربعة نواب للرئيس، وثلاثة مستشارين جماعيين، ورئيس لجنة الميزانية بمراسلة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية للتدخل العاجل لمعالجة مجموعة من الاختلالات التي يعرفها عمل الحزب بالجماعة الترابية لأكادير، غير أن هذا الأخير ابتلع لسانه، وصام عن الكلام. وقد عبرت رسالة هؤلاء الغاضبين بصريح العبارة عن ذلك بأنه «شكل من أشكال الفساد، في ظل وجود شبهة قرابة هذا المستفيد مع أحد نواب الرئيس». إضافة إلى ذلك كله، أشار الغاضبون إلى فضيحة تفويت حوالي 88 هكتارا بمنطقة أخليج بتكوين إلى مؤسسة عمومية دون استشارة أعضاء مكتب المجلس والفريق، مما أدى إلى تضييع فرصة استفادة الجماعة من مرآب تحت أرضي يسع ل 600 سيارة، وتهيئة ساحة عمومية من 3 هكتارات.
قنبلة موقوتة في وجه الجماعة
يشكل سوق الأحد، وهو أكبر سوق في المدينة والجهة، أحد أهم الفضاءات الاقتصادية التي تدر مداخل مهمة على مالية الجماعة. ومنذ بداية ولاية المجلس الحالي، أعلن عن بدء أشغال تأهيل هذا الفضاء، غير أن أشغاله لم تنته بعد، ولا تسير بوتيرة عادية، الأمر الذي أغاظ التجار، وسبب لكثيرين منهم ركودا تجاريا، بفعل إغلاق بعض المنافذ به لمدد طويلة. ومن بين المفارقات العجيبة أن الأشغال التي انطلقت لا تهم سوى بعض الأبواب، إذ قضت الشركة التي تباشر الأشغال سنة كاملة في هدم وبناء أحد أبوابه، بعد ذلك انتقلت إلى الباب رقم 8 وقامت بهدمه، وقبل أن تنهي به الأشغال، تحولت إلى الباب رقم 9 من أجل هدمه، وهو الأمر الذي رفضه تجار السوق واعترضوا على الشركة، وفرضوا عليها ألا تنتقل إلى أي باب جديد إلا بعد إنهاء الأشغال بالباب الذي قبله. وعندما استشعر مكتب المجلس أن «سوق الأحد»، جمرة كبيرة ملتهبة لا يقوى عليها، رمى بكرة تنظيمه إلى السلطات المحلية. وخلال أحد اللقاءات التواصلية مع تجار السوق، رفع هؤلاء لافتات وشعارات ضد مكتب المجلس وطريقة تدبيره لأكبر سوق، مما أغاظ الرئيس الذي حول كلامه إلى سب وشتم للحاضرين، قائلا «لا تصوتوا علينا، ولا حاجة للعدالة والتنمية بكم».