تسخينات انتخابية ومطالب بتعديل الدستور.. هذه كواليس السباق نحو رئاسة الحكومة
مع
تشهد الساحة السياسية الوطنية جدلا كبيرا حول المطالبة بإجراء تعديل دستوري قبل تنظيم الانتخابات التشريعية المقررة سنة 2021، ويتركز النقاش حول الفصل 47 من الدستور، لتجاوز الثغرات التي حالت دون الخروج من أزمة «البلوكاج» الذي عرفته عملية تشكيل الحكومة الحالية، بعدما فشل رئيس الحكومة السابق في تشكيل أغلبيته، لكن حزب العدالة والتنمية يرفض الانخراط في هذا النقاش، ويعتبره استهدافا له لحرمانه من تشكيل الحكومة في حال تصدره لنتائج الانتخابات المقبلة، فيما فتحت وزارة الداخلية باب تعديل القوانين الانتخابية، في ظل مطالب حزبية بمراجعة نمط الاقتراع، ما ينذر بمعركة انتخابية قوية بدأت بوادرها تظهر من الآن.
بدأت التسخينات الأولية من الآن للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها خلال سنة 2021، والسباق بين الأحزاب السياسية نحو رئاسة الحكومة المقبلة، بعد تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات ورئاسته للحكومة للولايتين السابقة والحالية. وعادت إلى الواجهة مطالب بتعديل الدستور، وبدأت العديد من الأحزاب السياسية في إرسال مذكرات إلى الديوان الملكي، من أجل المطالبة بمراجعة الوثيقة الدستورية، خاصة المادة 47 من الدستور، التي تنص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر الانتخابات التشريعية، واعتبرت أن هذه المادة شكلت عائقا أمام تشكيل الحكومة عقب انتخابات 2016، بعد «بلوكاج» دام حوالي ستة أشهر.
مطالب بتعديل الدستور
أعلن حزب الأصالة والمعاصرة عن إطلاق ورش الإصلاحات الدستورية، حسب ما كشفه أمينه العام خلال الندوة الوطنية التي عقدها بالرباط حول النموذج التنموي، والذي أكد إطلاق الحزب لمبادرة تتوخى فتح النقاش بين الأحزاب حول أهمية إجراء تعديل دستوري، يركز بالأساس على الفصل 47 الخاص بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر الانتخابات، حيث وصف بنشماش «ترؤس الحزب المتصدر للانتخابات للحكومة بالقدرية المفروضة على الشعب باسم شرعية انتخابية لها ما لها وعليها ما عليها»، وطالب بإعادة طرح المشكل الذي يكبل المغرب ويضيع فرص التقدم إلى الأمام على طاولة النقاش العمومي، في إشارة إلى تعديل الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات.
وسبق للمكتب السياسي للحزب توجيه مذكرة إلى الديوان الملكي، قبل ثلاث سنوات، من أجل المطالبة بإجراء تعديل دستوري، بعد ظهور مجموعة من النقائص والفراغات التي كشفتها الممارسة العملية خلال السنوات الأخيرة من دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ. وتحدث الحزب عن ظهور مجموعة من الفراغات التي تحتاج إلى الاستدراك الدستوري، وذلك في علاقة مع المذكرة التي وجهها الحزب سنة 2011 إلى الآلية السياسية التي اشتغلت على وضع الدستور الجديد، مؤكدا أن مطالبة الحزب بالتعديل الدستوري هدفها حماية وتحصين النموذج الديمقراطي المغربي، وتطوير الممارسة الديمقراطية بالمغرب. وتحدث قيادي بالحزب عن وجود «صمت دستوري» في العلاقة مع مجموعة من القضايا، ما يفتح المجال أمام الجدل والسجال السياسي بين الفرقاء السياسيين.
وأكد أحمد بلغازي، الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، أن حزبه وضع مذكرة لدى الديوان الملكي، يقترح من خلالها إجراء إصلاح دستوري، وخاصة المادة 47 من الدستور، التي تنص فقرتها الأولى على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها. وحسب مذكرة حزب «الجمل»، فإن هذه الفقرة من الدستور، واستنادا إلى التجربة الأخيرة التي انبثقت منها الحكومة الحالية برئاسة سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية الأخيرة، طرحت إشكالات ودلت على ضرورة إعادة النظر في هذه المادة الدستورية، باعتبار أنها لم تبن على توقع احتمال أن يفشل رئيس الحكومة المعين من الحزب المتصدر للانتخابات في تشكيل الحكومة، ونتجت عن هذا التوقع في الوثيقة الدستورية، الأزمة الحكومية التي عاشها المغرب بعد فشل الأمين العام للحزب المتصدر في تشكيل الحكومة، حيث بقيت البلاد بدون حكومة حوالي ستة أشهر.
ويقترح الحزب إعادة النظر في هذه المادة، من خلال تعديل يعطي للملك صلاحية اختيار رئيس الحكومة خارج الاعتبارات السياسية الحزبية، واستبدال الاعتبار الحزبي والانتخابي باعتبار الكفاءة، بما يحقق حاجة البلاد وليس مصلحة الحزب المتصدر أو التحالف الذي يقوده الحزب المتصدر. وأشار الحزب إلى تجارب دول ديمقراطية، عين فيها رئيس حكومة تقنوقراطي من خارج الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية. ويقترح الحزب كذلك إعادة النظر في الفقرة الأخيرة من المادة نفسها، من أجل سد الثغرات الدستورية المتعلقة باستقالة رئيس الحكومة، وذلك بالتنصيص الصريح على صلاحية الملك في المبادرة إلى تعيين رئيس حكومة بديل، باعتبار الملك رئيسا للدولة وضامنا لدوامها واستمرارها طبقا لما ينص عليه الفصل 42 من الدستور، كما يقترح التجاوز الذي حصل على عهد الحكومة الحالية للمرجعية الدستورية، حين بادر أعضاؤها إلى عقد مراسيم تسليم السلط مع الوزراء السابقين قبل تنصيب الحكومة من طرف مجلس النواب.
معارضة العثماني وبنعبد الله
لقيت مقترحات تعديل الدستور معارضة قوية من طرف حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، حيث انتقد كل من سعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ونبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، دعوات تعديل الفصل 47 من الدستور بما يتيح إمكانية ترؤس الحزب الحائز على المرتبة الثانية في الانتخابات للحكومة إذا لم يستطع الحزب الأول جمع أغلبية في مجلس النواب خلال فترة محددة. واعتبر العثماني أن دعوات تعديل الفصل 47 من الدستور تعد إعلانا عن «شهادة اليأس» بالنسبة لأصحابها. وتساءل العثماني عما إذا كان المغرب حل جميع مشاكله ولم يتبق سوى الفصل 47 من الدستور، داعيا الواقفين وراء هذه الدعوات إلى ممارسة العمل السياسي الجاد وإقناع المواطنين بالتصويت عليهم في الانتخابات.
من جانبه، عبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله، خلال حلوله ضيفا على برنامج «حديث مع الصحافة» بالقناة الثانية، عن موقفه من الدعوة التي ظهرت أخيرا لتعديل الفصل 47 من الدستور. وقال بنعبد الله إن «هناك الكثير من النقط في الدستور التي يناقشها البعض، بالنظر إلى أنه دستور وُضع بسرعة وضم بعض الأمور المتناقضة ولم يضم بعض الأمور الأخرى. إذا كان يجب مراجعة الدستور، فيجب مراجعة كل الفصول، وليس فقط الفصل 47 لغرض في نفس يعقوب»، مضيفا «إذا كانت الدعوة لتعديل هذا الفصل تهدف فقط إلى التعامل مع نتائج الانتخابات كما يريد أصحاب الدعوة، فإن هذه مسألة غير سليمة. إن السياسة أخلاق. وأعتقد أن ما تجب المطالبة به الآن هو تعزيز الممارسة الديموقراطية السليمة واستقلالية الأحزاب».
ويرى عبد الحميد بنخطاب، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق أكدال بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنه إذا كان الجميع يتفق على ضرورة تأويل ضيق للفصل 47 بما يجعله مغلقا وغير قابل للتجاوز، بالنظر إلى ضرورة تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات، وعلى أساس نتائجها، فإن الاختلاف سرعان ما يطفو على السطح بمجرد الحديث عن إمكانية فشل رئيس الحكومة في تشكيل حكومته، ضمن سياق هذا الفصل. ذلك أن فشل المشاورات بين الأحزاب السياسية يعني، أيضا وبشكل بديهيّ، فشل مقتضيات هذا الفصل في حل الأزمة، إذا اعتُمد وحده في مسطرة تشكيل الأغلبية الحكومية. من هذا المنطلق، يقول بنخطاب «تتأكد ضرورة الرجوع إلى المؤسسة الملكية للنظر في الخروج من النفق، غير أن الرجوع إلى الملك بعد فشل تشكيل الحكومة ضمن سياق الفصل 47 يطرح سؤال الصفة الدستورية التي يُفترض أن يتدخل بها هذا الأخير لحل الأزمة».
وأضاف بنخطاب أنه إذا كانت صلاحيات الملك بتعيين رئيس الحكومة تأتي بشكل حصري من الفصل 47، فإن الصفة القانونية والدستورية المؤطرة لهذه الصلاحيات لا تجد مصدرها في هذا الفصل، بل في الفصل 42، وعلى هذا الأساس، لا تستقيم أي قراءة دستورية لمقتضيات الفصل 47 دون الرجوع إلى أحكام الفصل 42، التي تمنح الملك الصفة القانونية التي تسمح له بممارسة صلاحياته المتعلقة برئاسة الدولة وبتعيين رئيس الوزراء والوزراء سواء في الحالات العادية أو الاستثنائية، موضحا أن الأمر لا يتعلق بتاتا بما قد يذهب إليه البعض باعتبار تدخل الملك تحكيما بين الأحزاب السياسية، فالتحكيم الملكي في هذا الوضع هو تحكيم بين مؤسستي مجلس النواب ورئاسة الحكومة، اللتين يمكن القول إنهما قائمتان من منظور الدستور، مادام الأول عقد جلسته الافتتاحية، والثاني كلف رسميا بتشكيل الحكومة. أضف إلى ذلك، أن تدخل الملك في هذه الحالة يدخل أيضا ضمن نطاق ضمان دوام الدولة وحسن سير مؤسساتها الدستورية.
وأكد أستاذ القانون الدستوري أن الملك يتدخل بصفته المؤسساتية، التي تسمح له بتعيين مختلف الوزراء، بما يعني أن له الحق أيضا في الاعتراض على أي شخصية لا يراها مناسبة، ما يستتبع أنه يملك سلطة الفيتو التي قد يستخدمها سلبيا، بالاعتراض على تعيين من يقترحه رئيس الحكومة، أو إيجابيا عبر توجيه اختيار هذا الأخير بشكل غير مباشر، عبر قنوات الاتصال التقليدية التي قد تلعب فيها بعض الشخصيات المقربة من القصر دورا مهما، أو بشكل مباشر عبر التعبير الرسمي أو غير الرسمي عن موقف الملك من شخصية معينة.
وفي هذا السياق، ذكر بنخطاب بأن الملك في تدخله لحل أزمة تشكيل الحكومة بصفته الدستورية المحددة في الفصل 42، وفي غياب أي بديل أو سيناريو محدد ضمن سياق الفصل 47، يمكن أن يحتكم إلى فصول أخرى من الدستور، لاسيما الفصل 51، الذي يمنحه صلاحية «حل ﻣجلسي البرلمان أو أحدھما بظهير، طبق الشروط المبينة في الفصول 96 و97 و98، أي بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس ﻣجلس النواب، ورئيس ﻣجلس المستشارين، ثم انتخاب البرلمان أو المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر، والذي لا يمكن حله إلا بعد مضي سنة على انتخابه.
تسخينات انتخابية قبل الأوان
من جهة أخرى، تعكف وزارة الداخلية على مراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بالانتخابات، وكذلك بتنظيم مجالس الجماعات الترابية، قبل إعداد مشاريع قوانين تتعلق بتعديل القوانين التنظيمية للجهات والجماعات والأقاليم والعمالات، بعد الوقوف على عدة ثغرات ونقائص تشوب هذه القوانين منذ الشروع في تطبيقها عمليا قبل ثلاث سنوات. وأكدت المصادر أن من بين الأوراش التي تشتغل عليها وزارة الداخلية مراجعة القوانين الانتخابية، ومن المتوقع أن تشمل التعديلات نمط الاقتراع وكذلك التقطيع الانتخابي وتمويل الأحزاب السياسية، حيث توصلت الوزارة بعدة مذكرات وضعتها أحزاب سياسية، تتضمن مطالب بإدخال تعديلات جوهرية على مدونة الانتخابات وكذلك مراجعة التقطيع الانتخابي، قبل حلول موعد سنة 2021، تاريخ تنظيم الاستحقاقات الانتخابية الجماعية والتشريعية. وتطالب العديد من الأحزاب السياسية بمراجعة نمط الاقتراع المعمول به حاليا، من خلال تنظيم الانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة وفق نمط الاقتراع الفردي عوض الاقتراع باللائحة. وستعقد لجنة الداخلية بمجلس النواب يوما دراسيا حول مراجعة هذه القوانين، سيتم من خلالها تجميع جل التعديلات الواردة في مقترحات القوانين التي وضعتها الفرق البرلمانية، لبلورتها في مشاريع قوانين ستقدمها وزارة الداخلية.
ومن جهتها، فتحت العديد من الأحزاب السياسية مشاورات من أجل تقديم مذكرة تتضمن إدخال تعديلات جوهرية على مدونة الانتخابات وكذلك مراجعة التقطيع الانتخابي، قبل حلول موعد سنة 2021، تاريخ تنظيم الاستحقاقات التشريعية التي ستفرز الحكومة المقبلة. وأكد أحمد بلغازي، الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، أنه تقدم بملتمس إلى رئيس الحكومة ووزير الداخلية، للمطالبة بإصلاح النظام الانتخابي، من خلال إعادة النظر في نمط الاقتراع، والعودة إلى نمط الاقتراع الإسمي الأحادي، بما يحققه ذلك من توسيع حق التشريع ورفع نسبة المشاركة في الانتخابات، مشيرا إلى أن اعتماد الاقتراع اللائحي أصبح مشوبا بعيوب كثيرة، وأصبحت بعض الأحزاب تفرض على الناخب مرشحين لا يرغب فيهم على حساب الكفاءة والأهلية.
وعقدت لجنة الشؤون السياسية والمؤسساتية والحقوقية التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي، اجتماعا برئاسة الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، لمناقشة الاستعداد لمعركة الانتخابات القادمة، والمصادقة على مذكرة تتضمن تعديلات حول مدونة الانتخابات والتقطيع الانتخابي، وتمويل الأحزاب السياسية. وأفادت المصادر بأن لشكر يقترح على زعماء الأغلبية، فتح المشاورات حول مراجعة نمط الاقتراع المعمول به حاليا، من خلال تنظيم الانتخابات الجماعية والتشريعية المقبلة وفق نمط الاقتراع الفردي. وكان هذا الموضوع قد تداوله المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي أكد، في بيانه الختامي، على ضرورة المراجعة الجذرية للمنظومة الانتخابية، ونهج إصلاحات سياسية عميقة من أجل ضمان تمثيلية حقيقية في كل الهيئات المنتخبة، وذلك «للقطع مع الأنظمة الزبونية والريعية، التي شوهت العملية الديمقراطية، تارة بطرق الرشوة المباشرة وتارة بالرشوة المغلفة بالإحسان، وهي نماذج لم تنتج سوى ضعف أو غياب الكفاءة والتسيب واللامسؤولية، مما انعكس سلبا على أداء العديد من الهيئات المنتخبة».
مقترحات الأحزاب السياسية بخصوص تعيين رئيس الحكومة
على بعد ثلاث سنوات عن موعد الاستحقاقات الانتخابية المقرر إجراؤها سنة 2021، بدأ الجدل حول مطالبة بعض الأحزاب السياسية بتعديل الدستور، وخاصة المادة 47 المتعلقة بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات، لتجاوز وضعية «البلوكاج» التي عرفتها عملية تشكيل الحكومة الحالية، عندما فشل رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، في تشكيل الأغلبية الحكومية، قبل إعفائه من طرف الملك، وتعيين رئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني.
وبالعودة إلى المذكرات التي تقدمت بها الأحزاب السياسية إلى اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة الدستور سنة 2011، فإن حزب الحركة الشعبية استبق كل النقاش الدائر اليوم، وطالب، في مذكرته المرفوعة إلى اللجنة، بأن يكون تعيين رئيس الحكومة من الحزب أو اتحاد الأحزاب المشكل قبل الانتخابات التشريعية الحائز على المرتبة الأولى، مع تحديد آجال تكوين الحكومة في مدة أقصاها ثلاثون يوما. أما مذكرة حزب الأصالة والمعاصرة فطالبت بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي يتصدر الانتخابات من حيث عدد المقاعد المحصل عليها بمجلس النواب. ولم يضع الحزب سيناريوهات في حال عدم قدرة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة لكنه اقترح سيناريوهات إذا تشكلت الحكومة ولم تنل الثقة البرلمانية، وذلك بعد عرض المرشح لمنصب رئيس الحكومة، على مجلس النواب، البرنامج السياسي للحكومة التي قام بتشكيلها، لينال ثقته، ويقع التصويت بعد مضي خمسة أيام كاملة على اليوم الذي قدم فيه رئيس الحكومة خطاب التنصيب. وفي حال عدم تمكن المرشح الأول من نيل ثقة مجلس النواب، يقترح ترشيح ثان من الحزب الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات، وإذا لم ينل أي مرشح ثقة مجلس النواب بعد انصرام 60 يوما على أول تصويت، يحل الملك مجلس النواب ويدعو إلى إجراء انتخابات جديدة.
أما حزب الاستقلال، فاقترح تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي يتصدر انتخابات مجلس النواب، وفي حال عدم تمكنه من تشكيل الحكومة خلال أجل أقصاه شهر، أو عدم حصول التشكيلة الحكومية والبرنامج الذي تقدمت به لطلب الثقة على الأغلبية يخبر الملك بإعفائه من التكليف، وبعد ذلك يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي يليه من حيث النتائج الرسمية المعلنة ثم الذي يليه باتباع المسطرة نفسها. وتقدم حزب الاتحاد الاشتراكي بمقترح تعيين رئيس الحكومة الذي يشكل الأغلبية، وفي حال تعذر تشكيل الأغلبية أو عدم موافقة مجلس النواب على البرنامج الحكومي، يختار الملك رئيسا للحكومة على أساس نتائج الانتخابات.
وطالب حزب العدالة والتنمية، في مذكرته، بتعيين رئيس الحكومة بناء على نتائج الانتخابات التشريعية العامة وذلك من الحزب الفائز بالرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب، وهي تقريبا الصيغة نفسها الواردة في الوثيقة الدستورية. وتقدم حزب التجمع الوطني للأحرار بالمقترح ذاته تقريبا، حيث طالب بالتنصيص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لمجلس النواب، مع وضع مسطرة دستورية تحدد المدة الزمنية لإجراء المشاورات وتشكيل الحكومة من طرف رئيس الحكومة المعين في ظرف شهر واحد، وفي حال عدم توفقه في تشكيل الحكومة، يعين الملك رئيسا جديدا على أساس نتائج الاقتراع.
هؤلاء لهم حق اتخاذ مبادرة مراجعة الدستور
حسب الفصل 172 من الدستور، يحق للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين، اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور، وينص نفس الفصل على أنه «للملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء، المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه»، ولا تصح الموافقة على مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان، إلا بتصويت أغلبية ثلثي الأعضاء، الذين يتألف منهم المجلس.
ويُحال المقترح إلى المجلس الآخر، الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم، يُعرض المقترح الذي يتقدم به رئيس الحكومة على المجلس الوزاري، بعد التداول بشأنه، في مجلس الحكومة، وطبقا لمقتضيات الفصل 174، تُعرض مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور، بمقتضى ظهير،على الشعب قصد الاستفتاء، و تكون المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء، وللملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، أن يعرض بظهير، على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور، ويصادق البرلمان، المنعقد، باستدعاء من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتكون منهم.
وحسب النظام الداخلي لمجلس النواب، فإن اقتراح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء المجلس لا تصح الموافقة عليه إلا بتصويت ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وفقا لأحكام الفصل 173 من الدستور، وللملك بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية أن يعرض بظهير على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور، ويعقد البرلمان اجتماعا مشتركا بدعوة من الملك، حيث يرأس الاجتماع المشترك رئيس مجلس النواب ويحضر إلى جانبه رئيس مجلس المستشارين، ويفتتح الرئيس الاجتماع المشترك بتلاوة مضامين مشروع المراجعة الذي يوزع على أعضاء المجلسين، ويشرع في مناقشة مضامين المشروع بالاستماع إلى مداخلات الفرق والمجموعات البرلمانية في كلا المجلسين، ويجري التصويت عليه علنيا برفع اليد أو بالتصويت الإلكتروني، ولا تتم المصادقة على هذه المراجعة إلا بموافقة أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم البرلمان.
كما منح الدستور لمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور، وحسب النظام الداخلي للمجلس، يتداول في مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء مجلس المستشارين، ولا تتم الموافقة على هذا المقترح إلا بتصويت أغلبية ثلثي الأعضاء (3/2) الذين يتألف منهم مجلس المستشارين. يحال المقترح إلى مجلس النواب الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي الأعضاء (3/2) الذين يتألف منهم.
ويتداول المجلس في مقترح مراجعة الدستور المحال عليه من طرف مجلس النواب، ولا تتم الموافقة على هذا المقترح إلا بتصويت أغلبية ثلثي الأعضاء (2/3) الذين يتألف منهم مجلس المستشارين، ويُعرَض مقترح التعديل الموافق عليه من مجلسي البرلمان بالأغلبية المطلوبة في كل منهما، بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء بشأنه، وتصبح المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء.
بنيونس المرزوقي: الدستور لا يحتاج لتعديل وتعيين رئيس الحكومة ليس بالضرورة من الحزب الأول
يرى بنيونس المرزوقي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بوجدة، أن الجدل المثار حول تعديل الدستور والفصل 47 منه، «غير سليم»، مؤكدا أن «الفصل 47 من الدستور مصاغ بشكل دقيق ولا يحتاج إلى أي تعديل سواء في المرحلة الحالية أو لاحقا، على اعتبار أن هذا الفصل لم ينص على أن الملك يعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات في مجلس النواب، بل أيضا على أساس نتائجها»، مبينا أنه «عمليا أمام هذه الصياغة فنحن أمام إمكانيتين مفصلتين، وهناك إمكانية تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات، وهذه الإمكانية تفترض أن الإدارة المشرفة على الانتخابات تقدم للملك اسم الحزب الذي تصدر الانتخابات، وبالتالي يقوم الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات، وهذا تصور خاطئ، لأن الإدارة البرلمانية تقدم للملك نتائج الانتخابات، والتي تقدم بشكل مرتب، وإذا كان الإشكال المطروح من طرف الطبقة السياسية يستند على الأزمة التي كانت قد وقعت في إطار ما سمي «البلوكاج الحكومي»، فهذا غير مطروح على أساس أن الملك لديه سلطة تقديرية باعتباره رئيس الدولة، ولاحظنا أنه عندما تم إلغاء تعيين بنكيران رئيس حكومة وتعيين العثماني بدلا منه، فقد نص البيان على أن تعيين العثماني جاء ضمن خيارات أخرى، بمعنى أنه إذا لم يتمكن الجزب المتصدر من تشكيل الحكومة، يمكن للملك تعيين رئيس لها من الحزب الذي يليه وهكذا..»، يقول المرزوقي.
وفي السياق ذاته، أوضح المتحدث أن «نص الفصل 47 من الدستور متقون من حيث الصياغة، والمدافعون عن التعديل يفترضون أن الدستور شأنه شأن القانون الجنائي، يجب أن يكون مفصلا بمصطلحات، وهذا الأمر غير ممكن، على اعتبار أن الممارسة هي التي تعطي الدستور تأويلا معينا، أو تطبيقا معينا، ولا يمكن الاستمرار في هذا النسق وإلا تجب إعادة النظر في الدستور بأكمله»، يشير المتحدث، مبينا أنه «لا يمكن الحكم إطلاقا من الأزمة السابقة في 2016 على أن تلك الأزمة ستتكرر في فترات أخرى، وهذا الأمر غير سليم»، حسب المرزوقي، مضيفا أن «الحديث عن ضرورة تغيير نمط الاقتراع برمته يرجعنا إلى سنوات حكومة التناوب والظرفية التي بموجبها تم تغيير النمط السابق، والتي اتسمت بالضغط الذي كان يفرض على الناخب ويجعله مقيدا في ممارسة حريته في التصويت على حزب دون الآخر»، مشيرا إلى أن «نمط الاقتراع هو سياسي ويختلف من مرحلة إلى أخرى، وكان الهدف الرئيسي لتغيير نمط الاقتراع هو تخفيف أشكال الضغط على الناخب باعتبار أن نظام الألوان كان يسمح بإخراج الأوراق غير المصوت بها كدليل على التصويت على شخص معين»، مبينا أن «الهدف آنذاك لم يكن البحث عن أغلبية بصيغة معينة بقدر ما كان هو تحقيق ممارسة حرة للعملية الانتخابية، علما أن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان حينها يقود الأغلبية كان مع نمط الاقتراع الفردي، والأمر ذاته بالنسبة لحزب الاستقلال المشارك في الأغلبية».
واعتبر المرزوقي أن «الجدل حول تعديل الدستور والأسس التي تبني عليها الأحزاب مواقفها يكون مختلفا وصعبا تحديده»، مشددا على أنه «ليس من المفروض أن تكون الأحزاب داخل الأغلبية متوافقة على عدد من القضايا»، وأن «تعديل نمط الاقتراع وإثارته في الظرفية الحالية أمر إيجابي ويمكن استحسانه ووارد داخل أحزاب الأغلبية كما خارجها، على أساس أن القطع مع الموضوع جرت العادة أن يكون في اللحظات الأخيرة قبيل الانتخابات، وكان القرار يصدر مفاجئا عن وزارة الداخلية دون تهييء مسبق من الأحزاب، لكن إثارته والتباحث بشأنه في هذه الظرفية، وعلى بعد سنتين من الانتخابات التشريعية، من شأنه أن يعزز التفكير الرزين للبحث عن صيغ ملائمة، علما أن الأساس الذي تم على ضوئه تغيير نمط الاقتراع إبان حكومة التناوب كان، كما ذكرت، هو حق المواطنين في ممارسة حرة للعملية الانتخابية تجنبا للتأثيرات من الأطراف السياسية، وهو الأساس الذي زال اليوم، إذ إن لا خلاف حول نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وبالتالي تمكن العودة إلى نمط الاقتراع الفردي إما بدورتين أو بدورة واحدة، حسب توافق الأحزاب السياسية التي لا محالة تحمل تصورات مختلفة ومواقف متباينة في الموضوع.