أخطاء ارتكبها موظفون كلفت الإدارات والمؤسسات العمومية المغربية تعويضات بمئات الملايين
مع تيلي ماروك
تتعدد الأحكام التي يواجه فيها مواطنون مؤسسات عمومية، وتعج المحاكم الإدارية والتجارية في الرباط والدارالبيضاء بالعديد من الدعاوى القضائية التي يتواجه فيها مواطنون مع الإدارة، وتكشف التقارير السنوية لمؤسسة وسيط المملكة، الارتفاع المتزايد لهذه النزاعات القضائية بين الأفراد ومؤسسات الدولة وعلى رأسها الجماعات المحلية، والتي تتراكم ملفات قضائية تغلب عليها قضايا التعويضات عن نزع الملكية للمنفعة العامة.
وإلى جانب الإدارات العمومية، تواجه كذلك عدد من المؤسسات العمومية في قطاعات متعددة كالنقل والصحة والخدمات، قضايا يطالب فيها المواطنون بالتعويض عن أضرار قد تكون لحقتهم بسبب إخلال أو تقصير من تلك المؤسسات، وقد أثارت بعض هذه القضايا انتباه الرأي العام، بسبب التعويضات التي حصل عليها أصحابها أو لكونها الأولى من نوعها.
وعادت هذه العلاقة المتشنجة بين المؤسسات العمومية والمواطنين، والتي تنتهي بالغلبة لصالح المواطنين إلى الواجهة، بعد حكم للمحكمة التجارية ضد المكتب الوطني للسكك الحديدية لصالح أحد الركاب بتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء تأخر القطار عن موعده.
خمسة ملايين تعويضا لتأخير ساعة
أصدرت المحكمة التجارية بالرباط، أخيرا، حكما يقضي بتعويض قدره 50 ألف درهم لفائدة إعلامي وناشط جمعوي رفع دعوى قضائية ضد المكتب الوطني للسكك الحديدية، بعدما طالب المدعي بالتعويض عن تضرر من التأخير الذي سجله القطار خلال تنقله عبره إلى مطار محمد الخامس الدولي بالدارالبيضاء في السنة الماضية، وقد أوضح المدعي، وهو الممثل الرسمي للمركز المغربي من أجل الحصول على المعلومة، أنه تلقى دعوة للمشاركة في فعاليات القمة العالمية للشراكة من أجل الحكومة المنفتحة المنعقدة بأوتاوا في كندا، والمكتب الوطني للسكك الحديدية لم يحترم التزاماته معه، خاصة بعد تأخر دام أكثر من ساعة وربع الساعة.
وحيث إن المدعي اضطر الى تأجيل سفره إلى اليوم الموالي وتحمله لأعباء مالية إضافية، فضلا عن أضرار معنوية وصحية كون كل الوقائع سالفة الذكر تزامنت مع أواخر أيام شهر رمضان، بما ينطوي عليه ذلك من صعوبات وتعب وإرهاق، لا سيما أن المدعي اضطر للعودة إلى الرباط لتدبر الحصول على حجز جديد وانتظار الرحلة المقبلة للطائرة، كما ضاعت عليه فرصة حضور أشغال اليوم المخصص للمجتمع المدني بالقمة العالمية سالفة الذكر، وأن مسؤولية المدعى عليه ثابتة عن تأخر القطار وما ترتب عنه من أضرار بالنسبة إلى العارض.
وقال دفاع المدعي إن المكتب الوطني للسكك الحديدية بصفته مؤسسة عمومية يدير مرفقا عموميا يحمل صبغة تجارية وصناعية على سبيل الاحتكار، فإنه يتحمل المسؤولية كاملة عن تعثر تقديم هذا المرفق لخدماته إلى العموم بكيفية مستمرة ومنتظمة وبجودة كافية لإرضاء زبنائه، ولما قصر في اتخاذ ما يلزم من تدابير لتفادي ارتباك توقيت رحلة القطار وتأخره عن موعده بإقراره لساعة و15 دقيقة، وعمليا ساعة ونصف الساعة، لاسيما أن هذا القطار يؤمن النقل من وإلى المطار الدولي، ومن ثم فإن ضبط مواقيته يتطلب يقظة دائمة والتزاما مستمرا، نظرا لارتباط زبنائه بالرحلات الجوية عبر مختلف مطارات العالم، وأن أي إخلال بمواقيت هذا القطار ولو لوقت بسيط تكون له تبعاته وآثاره السلبية على التزامات الزبناء وارتباطاتهم والإضرار بالتزاماتهم ومصالحهم، كما هو الشأن في واقعة الحال.
ودفع المكتب الوطني للسكك الحديدية بكون هذه التأخيرات على فرض وجودها تعتبر عادية، نظرا للأشغال وأوراش البناء التي تعرفها مختلف مرافق السكة الحديدية، واحتياطيا إحلال شركة التأمين «الوفاء» في الدعوى، باعتبار أن هاته الحوادث تندرج ضمن عقد تأمين المسؤولية المدنية رقم 807056/18 التي تقع للمسافر وللأغيار؛ لكن هيئة الحكم قالت إن هذا السبب لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة أو الحادث الفجائي، ولا يعفي المكتب من مسؤولية الأضرار اللاحقة بممثل الوفد المغربي المشارك في كندا، الذي طلب الحكم على المدعى عليه في شخص مديره العام بأدائه لفائدته تعويضا عن الضرر قدره 100 ألف درهم وتحميله الصائر.
لكن الحكم قضى بـ50 ألف درهم، ستؤديها شركة التأمين، بعدما استندت المحكمة على المادة 479 من مدونة التجارة، وتذاكر السفر المرفقة بشهادات تأخير صادرة عن المكتب الوطني للسكك الحديدية، إضافة إلى نسخ من البلاغ الصادر حول مشاركة الوفد الرسمي المغربي، وجدول أعمال القمة العالمية المخصص للمجتمع المدني، وكذا المعاينة التي أنجزتها المفوضة القضائية لفيديو خاص بالحملة الإشهارية للمكتب الوطني للسكك الحديدية خاصة بالقطارات، فضلا عن دليل مهام وقيم المكتب الوطني للسكك الحديدية بالمغرب. كما اعتبر أن التخلف عن موعد لقاء دولي هام يشكل ضررا حالا ومحققا واجب الجبر.
مليونان تعويضا عن أوراق امتحانات
أصدرت المحكمة الإدارية بأكادير حكما قضائيا ضد أستاذين يشتغلان بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالمدينة. وجاء في الحكم القطعي المبني على مقال استعجالي تقدم به مدير المؤسسة، بإلزام أستاذين بالمدرسة بضرورة تسليم أوراق الامتحانات والنقاط الخاصة بإحدى المواد المدرسة، ونقاط نهاية تدريب الطلبة في مادة الهندسة المدنية، إلى مدير المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية فورا وحالا، مع ما يترتب عن ذلك قانونا. وقررت المحكمة الإدارية الحكم على الأستاذين بـ20 ألف درهم لكل واحد منهما عن كل ساعة تأخير عن الأمر الصادر عن المحكمة.
وحاول بعض الأساتذة فتح نقاش قانوني وتربوي، خلال فترة إجراء مداولات خاصة بطلاب إحدى الشعب مع مدير المدرسة، باعتباره رئيس لجنة المداولات، وذلك حول قانونية تدريس مادة تعليمية غير موجودة أصلا بالملف الوصفي للشعبة المعنية، إذ لا يجوز تدريس أي مادة تعليمية غير موجودة في الملف الوصفي الذي تصادق عليه هياكل المؤسسة التربوية، ثم هياكل الجامعة، قبل اعتماد الشعبة رسميا بالمؤسسة.
وطالبت إدارة المدرسة الوطنية بضرورة تمكينها من نقاط الطلبة قصد استصدار نتائجهم، على اعتبار أن النقاط هي حق من حقوق الطلبة لا يجوز احتجازها لأي سبب من الأسباب أو تحت أي ذريعة، وأمام عدم توصلها بها، فقد تقدمت بشكاية إلى المحكمة الإدارية.
جبر الضرر.. جراء قطر سيارة
قضت المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء بتعويض لفائدة محام في مواجهة المديرية العامة للأمن الوطني، جبرا للضرر اللاحق بسيارته، إثر قطرها وإيداعها تعسفيا بالمحجز الجماعي.
واستندت المحكمة في تعليلها إلى أن الشرطي خالف مقتضيات المادة 113 من مدونة السير التي تستوجب إنجاز محضر وصفي بشأن السيارة موضوع الحجز، وأنه بتقصيره هذا إلى جانب الأضرار اللاحقة بالسيارة جراء قطرها تعسفيا من أجل مخالفة «الوقوف غير القانوني»، على اعتبار أن هذه المخالفة ليست ضمن الحالات التي تبرر إيداع المركبات بالمحجز والمنصوص عليها حصرا في المواد 111 و112 و112-1 من المدونة ذاتها، تكون أركان المسؤولية الإدارية قائمة ومستوجبة للتعويض، طبقا للقاعدة الفقهية التي تقضي بأن لكل ضرر ضامن.
الشرطي وحسب القرار ارتكب خطأ مهنيا، وذلك بإغفاله تحرير الجذاذة الوصفية للحالة الخارجية للسيارة، حسب المادة 113 من مدونة السير، وبالتالي يتحمل المسؤولية الكاملة للأعطاب الناتجة من جراء عملية جر السيارة. أما في ما يخص عملية قطر السيارة إلى المحجز، فهي قانونية لكون السائق كان غائبا وقت جرها.
تعويض 8 ملايين لشهرين حبسا بالخطأ
في سابقة من نوعها، قضت المحكمة الإدارية بالدارالبيضاء في سنة 2015 بالتعويض لفائدة مواطن مغربي قضى شهرين داخل السجن، بسبب خطأ قضائي في التعامل مع ملفه من طرف المحكمة.
وأصدرت المحكمة الإدارية حكما قضائيا يقضي بتعويض مواطن بمبلغ ثمانية ملايين سنتيم، بسبب الضرر الذي لحقه جراء الخطأ القضائي الذي ذهب ضحيته، والذي قضى بموجبه شهرين داخل السجن، حيث إن المحكمة استجابت لطلب دفاع الضحية، الذي طالب بمبلغ 15 مليونا كتعويض عن الخطأ القضائي، الذي تعرض له موكله، لتقرر المحكمة بعد المداولة منحه مبلغ ثمانية ملايين سنتيم كتعويض عن الضرر، بعد أن أثبت مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي، الذي كان ضحية له.
وكان الضحية صدر في حقه حكم بالحبس لمدة ستة أشهر موقوفة التنفيذ في ملف يتعلق بتسليم شيكات بدون رصيد، إلا أن خطأ قضائيا وقع في الملف تم بموجبه الزج بالمتهم داخل السجن، حيث أمضى به شهرين دون أي مبرر قانوني، لكون العقوبة الصادرة في حقه تشمل الحبس موقوف التنفيذ، كما أن الضحية لم يغادر السجن إلا بعد مرور شهرين ومثوله أمام محكمة الاستئناف بمدينة سطات، التي قررت الإفراج عنه، لكون العقوبة الصادرة في حقه كانت موقوفة التنفيذ، وأن خطأ قضائيا وقع من خلال معالجة ملف المواطن أدى إلى قضائه عقوبة حبسية، ليقرر هذا الأخير وبعد مغادرته السجن اللجوء إلى المحكمة الإدارية من أجل التقدم بطلب تعويض عن الخطأ القضائي، الذي وقع ضحية له وقضى بموجبه شهرين داخل السجن، مطالبا بمبلغ 15 مليون سنتيم.
جرثومة المستشفيات تكلف الوزارة 40 مليونا تعويضا
في سابقة من نوعها، حكمت المحكمة الإدارية بوجدة بأداء الدولة في شخص رئيس الحكومة ووزارة الصحة في شخص الوزير والمركز الاستشفائي محمد السادس بوجدة في شخص ممثله القانوني، لفائد ورثة ضابط شرطة سابق تعويضا قدره 40 مليون سنتيم، بسبب وفاة المعني في المستشفى بعد إصابته بجرثومة المستشفيات.
وطالب ورثة المعني، وهم والدته وزوجته وأبناؤه، بواسطة محامييهم الاثنين بالحكم على المستشفى بأداء تعويض قدره 300 مليون سنتيم، غير أن المحكمة وبالرغم من إدانتها للمستشفى وتحميله مسؤولية ما حدث للمعني، قدرت التعويض المستحق في المبلغ المذكور بالنظر إلى سوابق المعني الطبية وسنه وغيرها من المعطيات التي تضمنها الحكم.
وتتلخص هذه القضية، في كون الهالك ولج مستشفى محمد السادس بتاريخ 6 دجنبر 2017 من أجل الاستشفاء، إلا أنه أصيب بفيروس قاتل أثناء إقامته بالمستشفى، وهو ما اعتبرته العائلة «إخلالا من المستشفى بإحدى الواجبات وهي الرعاية الصحية اللازمة لعلاج المرضى»، واعتبرت العائلة أن ذلك شكل أيضا خرقا لأسمى حق من حقوق الإنسان والمواطن، وهو الحق في الحياة والصحة (المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
وأكد المقال الذي تقدم به دفاع الورثة، أن العمل القضائي لسائر المحاكم الإدارية المغربية «ذهب إلى أن الإصابة بفيروس داخل المستشفى وثبوت كون الأمر مرده لسوء أداء المرفق لعمله، أو استنكاف الطاقم الطبي عن بذل العناية اللازمة لعلاج الضحية، يبرران الحكم بمسؤولية مرفق الصحة عن جبر الضرر اللاحق بذوي الحقوق»، وأن التزام الدولة بكفالة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي يعمق من فكرة دولة الحق والقانون، وإزهاق الروح البشرية بسبب التقصير في أداء الخدمة أو سوء الرعاية الصحية، يبرر مساءلة الدولة في إطار القواعد العامة للمسؤولية الإدارية.