الاستقلال يقترح استعمال الأدوية الجنيسة وتبادل اتهامات بين الأطباء والصيادلة
مع تيلي ماروك
تقدم الفريق الاستقلالي بمجلس النواب بمقترح قانون لتغيير المادة 29 من مدونة الأدوية والصيدلة، يمنح للصيادلة الحق في استبدال الدواء الأصلي الذي يصفه الطبيب للمريض بدواء آخر مماثل مصنوع من نفس المكونات وبنفس الجرعات شريطة أن لا يتجاوز سعره ثمن الدواء المنصوص عليه في الوصفة الطبية. ويهدف هذا المقترح إلى تشجيع استعمال الأدوية الجنيسة وحماية الصناعة الوطنية، وكذا حماية القدرة الشرائية للمواطنين.
قانون استبدال الأدوية
أوضحت المذكرة التقديمية لمقترح القانون أن الأدوية تعتبر منتوجا أساسيا في المنظومة الصحية، ولا يمكن أن تقوم هذه المنظومة الصحية بالوظائف المنوطة بها على مستوى الوقاية والتطبيب والعلاج إلا بتوفر هذا المنتوج وأن يكون في متناول المواطنين في أي وقت وأينما كانوا وفي جميع الظروف العادية منها والاستثنائية، الأمر الذي يرتبط بشكل وثيق بالأمن الصحي للمواطنين وسلامتهم، في ظل التكامل التام بين الأطباء والصيادلة في هذا المجال. وأبرزت المذكرة أن المنظومة الصيدلية تشكل دعامة أساسية لنظيرتها الطبية وتعتبر شريكها الأساسي في المجال الصحي بكل مكوناته، خاصة وأن المنظومة الصيدلية تغطي جميع التراب الوطني وقريبة من المواطنين.
وأكدت مذكرة الفريق الاستقلالي أن الممارسة أبانت عن بعض الصعوبات والإكراهات المطروحة أمام المرضى عندما لا يستطيعون الحصول من الصيدليات على الأدوية التي يصفها لهم الطبيب المختص، ودون أن يكون لدى الصيدلي الحق في تغيير الوصفة الدوائية رغم الوضعية الاستعجالية التي قد يتطلبها الوضع الصحي للمريض، وذلك بسبب مقتضيات بعض النصوص القانونية الجاري بها العمل في هذا المجال، والتي تمنع على الصيدلي استبدال الدواء المشار إليه في الوصفة الطبية التي يسلمها الطبيب للمريض حتى ولو توفر دواء آخر بنفس التركيبة والفعالية والجرعات، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على حياة المريض ويؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها على صحته في حال تأخر تناوله للدواء، خاصة عندما تكون البلاد في ظرفية استثنائية تحد من إمكانية استيراد بعض الأدوية، مثل حالة الجائحة التي تلجأ فيها البلدان المنتجة للدواء إلى تقييد تصديره.
وأرجع الفريق الاستقلالي هذا الوضع بالأساس إلى وجود فراغ تشريعي في القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر في هذا الإطار القانوني من أجل إعطاء الصلاحية للصيادلة لمعالجة هذه الوضعية، وتجاوز الإكراهات والصعوبات التي يطرحها هذا الفراغ التشريعي. وفي هذا الإطار، يأتي مقترح القانون الذي يتقدم به الفريق الاستقلالي والذي يقضي بتتميم المادة 29 من القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، ويرمي إلى تمكين الصيادلة من استبدال دواء أو منتوج صيدلي غير دوائي بآخر يحتوي على نفس المكونات وبنفس الجرعات في حالة عدم توفر الدواء المسجل في الوصفة الطبية بالصيدليات، وذلك حتى لا تتعرض حياة المرضى للخطر مادام الصيدلي المعني يتحمل كامل مسؤوليته عند تقديمه لهذا المنتوج وتبعاته ومادامت الوضعية تقتضي إنقاذ حياة المرضى.
وبمجرد وضع المقترح بمكتب مجلس النواب، دخلت «لوبيات» تخدم مصالح الشركات متعددة الجنسيات التي تحتكر تراخيص صناعة الأدوية الأصلية لإقبار هذا المقترح في المهد، وتستغل هذه الشركات نفوذها وعلاقاتها «المتشعبة» لممارسة ضغوطات قد تمتد إلى داخل الحكومة والمؤسسة التشريعية، حتى لا يخرج هذا القانون إلى الوجود، لأنه يشجع على استعمال الأدوية الجنيسة التي تصنعها شركات وطنية وتباع بأسعار أقل من أسعار الأدوية الأصلية، كما أن المؤسسات التي توفر التأمين عن المرض تعوض المؤمنين لديها بأسعار مرجعية تحتسب بأثمنة الأدوية الجنيسة المتوفرة في السوق الوطنية.
الأطباء يتهمون الصيادلة
أثار المقترح الاستقلالي جدلا كبيرا بين الأطباء والصيادلة، حيث أعلنت التنسیقیة النقابیة للأطباء العامین بالقطاع الخاص، أنها تلقت ببالغ القلق خبر إقدام الفریق النیابي لحزب الاستقلال على تقدیم مقترح القانون. وأوضحت التنسيقية، في بلاغ لها، أن موضوع استبدال الأدویة الموصوفة من طرف الطبیب كان موضوع بیان تحذیري وجھته التنسيقية قبل أقل من شھرإلى وزیر الصحة بعد تناسل الحدیث عما أسماه البعض حقا للصیادلة، واعتبرت تجاھل الفريق الاستقلالي لجمیع نقائص المنظومة الصحیة الوطنیة التي عرتھا أزمة وباء «كوفید 19»، وإصراره على السباحة عكس التیار بتقدیمه لمقترح قانون، سیضرب المسمار الأخیر في نعش الممارسة الطبیة. ووجه الأطباء اتهامات للفريق الاستقلالي بعدم إلمامه بخبايا السوق الدوائية الوطنية.
ويعتبر الأطباء الإغراق الممنھج للسوق الدوائي بعشرات الأدویة المتطابقة، والسماح بتسویق نفس المادة الصیدلانیة تحت مسمیات تجاریة عدیدة، دون أي فارق في السعر ودون أیة قیمة مضافة للمریض المغربي، ھو السبب الرئیسي في عدم توفر جمیعالأدویة برفوف الصیدلیات. وأشارت التنسيقية إلى أن تسجیل انقطاع عدد من الأدویة مؤخرا بالسوق الوطنیة لن یتم تجاوزه بالسماح للصیادلة باستبدال الأدویة، بما أن النقص المسجل ھو نقص مركزي ناتج عن اختیار اتاستراتیجیة لكبریات شركات صناعة الدواء، وأكدت أن أغلبیة الأدویة المفقودة حالیا لا بدیل لھا ولن تحل ھاته الإشكالیة بالسماح للبعض بالاستبدال. وسجل الأطباء وجود اختلالات عميقة ببعض الصيدليات، وعلى رأسھا معضلة غیاب الصیدلي وتركه الأمور تحت إدارة مساعدیه، وحذروا من خطورة هذه الاختلالات، لأنها ستأتي في حال تبني مقترح القانون، بعكس النتائج المأمولة وستشكل ضربا صارخا لمبدأ المنافسة المنصوص عليھا دستوریا، خاصة في ظل تفشي بعض الممارسات غیر القانونیة التي یلجأ إليھا البعض للرفع من ھوامش الربح، والتي یقوم بمقتضاھا المصنعون بالبیع المباشر لبعض الصیدلیات وفق تخفیضات كبیرة، ما سیجعل المریض المغربي زبونا للمختبر الصیدلاني الذي یمارس أكبر نسبة تخفیض، مع ما یعنيه ذلك من تبضیع للصحة وتبخیس للحق الدستوري في العلاج.
وأكدت تنسيقية الأطباء أن السوق الدوائي يعرف ممارسات غیر أخلاقیة، وغیابا شبه تام لدراسات التكافؤ الییولوجي، ما سیجعل الطبیب المغربي غیر مسؤول عن النتائج العلاجیة للدواء المستبدل، وأشارت إلى أن جميع التجارب الدولیة في ھذا الباب لم تتطرق للسماح لأي كان باستبدال الدواء الموصوف، إلا بعد استكمال الرزنامة القانونیة التي تضمن حقوق المریض، والقطع النھائي مع جمیع التمظھرات الخاطئة التي يغرق فيها السوق الوطني.
الصيادلة يتهمون الأطباء
في ردها على الاتهامات الموجهة إليها، قالت النقابة الوطنية لصيادلة المغرب إنها تلقت بأسف شديد ما ورد في «البلاغ الاستنكاري» للتنسيقية النقابية للأطباء العامين بالقطاع الخاص، «والذي خرج عن كل قواعد اللباقة والاحترام المتبادل بين مهنيي الطب والصيدلة، بإصداره اتهامات شعبوية في حق صيادلة المغرب». وأوضحت النقابة، في بلاغ لها، أنها احتراما لشرفاء الطب في المغرب، كانت تغض الطرف عن الممارسات المخلة واللا أخلاقية لبعض الأطباء، ولا تريد الخوض فيها علانية، عبر بيانات وبلاغات، نظرا «ليقيننا هناك شرفاء في القطاع، ولا يمكن أن نضع الكل في سلة واحدة»، حسب بلاغ النقابة، التي عبرت عن استغرابها للهجوم غير المفهوم على الصيادلة من طرف الأطباء، بإصدار اتهامات مجانبة للصواب ولا تمت للواقع بصلة.
بدورهم وجه الصيادلة اتهامات للأطباء ببيع الأدوية داخل العيادات والمصحات، وأكدت النقابة، في بلاغها، أن تسليم الدواء من اختصاص الصيدلي، ولا يمكن لأي شخص غير حاصل على شهادة الدكتوراه في الصيدلة، بمن في ذلك الطبيب، ويعاقب عليه القانون. وأضاف البلاغ «للأسف الشديد، هناك بعض الأطباء يتطفلون ويتطاولون على مهنة الصيدلي»، مشيرا إلى الطبيب الذي أسس شركة لبيع الأدوية، والذي جرى اعتقاله ومتابعته. كما تحدثت نقابة الصيادلة عن احتفاظ بعض الأطباء بالأدوية داخل عياداتهم، وتسليمها بالمجان للمرضى. وأكدت نقابة الصيادلة أن حق الاستبدال الذي يطالب به الصيدلي هو استبدال دواء بآخر بنفس التركيبة والجرعات، ما يعني تغيير فقط الاسم التجاري، وعبرت عن استعدادها للحوار، في إطار الدفاع عن حق الاستبدال، لأنه «حق لا تراجع عنه»، يؤكد بلاغ الصيادلة، معلنا مساندته ودعمه لمبادرة الفريق الاستقلالي، وطلب الصيادلة من جميع الفاعلين وكل الفرق البرلمانية العمل على الدفاع عن هذا الحق لما فيه من مصلحة للمواطن الذي يعاني وفي حاجة إلى التفاتة من طرف ممثليه في مجلسي البرلمان.