الدرك الأسفل من النفاق
مع
في موضوع لغة تدريس المواد العلمية هناك نفاق كبير من طرف الفاعلين السياسيين. جانب من الذين يدافعون عن اللغة العربية يصنعون ذلك بهدف انتخابي محاولين إيهام الناس بأنهم حماة صرح العروبة والدين واللغة، فيما هم في الواقع غير معنيين بهذا الموضوع مباشرة، والدليل على ذلك أنهم يدرسون أبناءهم في معاهد خاصة أو في البعثات الأجنبية، ويرسلونهم بعد الباكالوريا لاستكمال الدراسة في أوربا أو كندا أو تركيا.
وحتى وزير التربية والتعليم المنوط به إدارة هذا النقاش والخروج بحلول عملية لا يدرس أبناؤه في المدارس العمومية المعنية بالتعريب أو الفرنسة، بل في مدارس البعثة الفرنسية، والجميع شاهد فيديو نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء يظهر فيه الوزير قبل الاستوزار وهو يخوض وقفة احتجاجية أمام باب البعثة الفرنسية بالرباط احتجاجا على رفع رسوم التسجيل.
وحتى في حزب الاستقلال الذي يريد أن يقدم نفسه كفارس مقدام في معركة الدفاع عن اللغة العربية لا يمتلك أمينه العام الشرعية للقيام بذلك، بحكم أنه منتوج خالص لمدرسة البعثة الفرنسية بالرباط. أما العم بنكيران ففي آخر فيديوهاته اعتبر فرنسة المواد العلمية تخريبا للمدرسة، لكنه نسي أن يشرح لمستمعيه لماذا لا تفعل ذلك مدارسه الخاصة أرض السلام، التي باع أسهمه فيها وأسهم زوجته نبيلة خريجة ليسي ديكارت، وعوض ذلك تدرس المواد العلمية بالفرنسية للتلاميذ ابتداء من الإعدادي.
وطيلة الأيام الأخيرة يخوض قادة وبرلمانيو حزب العدالة والتنمية معركة شرسة ضد تدريس اللغات الأجنبية لأبناء المغاربة، ولذلك يعرقلون إخراج قانون الإطار المتعلق بإصلاح التعليم، رغم أهمية هذا الورش الاستراتيجي الذي أعطى الملك تعليماته لإخراجه في أقرب وقت.
وكشفت معركة تعريب التعليم عن نفاق قادة حزب العدالة والتنمية، لأنهم يرفضون تدريس اللغات الأجنبية لأبناء الشعب فيما هم يرسلون أبناءهم للدراسة بمدارس البعثة الفرنسية وإلى الخارج بدول أوروبية وتركيا وكندا، حيث يدرسون باللغة الإنجليزية، وعلى رأسهم رئيس فريق الحزب، البكاي إدريس الأزمي الإدريسي، الذي يدافع بشراسة عن التعريب في تدريس أبناء الشعب في الوقت الذي يتابع فيه ابنه أيوب دراسته بـ”ليسي ديكارت” بالرباط وهي ثانوية تابعة للبعثة الفرنسية، والتي تكلف بها الدراسة مبلغ 7 ملايين سنويا، وابنه بالمناسبة هو ممثل القسم بالفصل النهائي S7، وقبله درست بنفس الثانوية ابنته زينب الأزمي، التي حصلت على الباكالوريا الفرنسية، وهي الآن تدرس بالسنة الثانية بكلية الطب.
أما زعيمهم الذي علمهم السحر، عبد الإله بنكيران، الذي اعتبر التدريس باللغات الأجنبية مؤامرة ضد البلاد، فقد سجل أبناءه في مدارس البعثة الفرنسية، بينهم ابنه رضوان، الذي درس في “ليسي ديكارت” بالرباط، قبل أن ينتقل للدراسة في أحد المعاهد العليا بفرنسا، وحصل على منحة الاستحقاق التي خصصتها الحكومة المغربية سنة 2012 لفائدة الطلبة المسجلين بكبريات المعاهد والمدارس الفرنسية المتخصصة في الهندسة والتجارة، حيث تكلفهم مبالغ تتجاوز 13 مليون سنتيم سنويا، بالإضافة إلى رسوم التسجيل ومصاريف السكن والتغذية، وزوجة بنكيران، نبيلة، بدورها درست في “ليسي ديكارت”.
كما أن قادة حزب العدالة والتنمية يرسلون أبناءهم للدراسة بالدول الأوربية وكندا، وخاصة تركيا، لأنهم يستفيدون من السكن الجامعي مجانا، ومن منح دراسية يحصلون عليها بتدخل من طرف قياديين من الحزب لدى الحكومة التركية. ويشكل أبناء قادة حزب العدالة والتنمية نسبة 90 في المائة من عدد الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم بهذه الدولة، والتي تعتمد جل جامعاتها ومعاهدها العليا التدريس باللغة الإنجليزية.
فالوزير السابق ورئيس مجلس جهة درعة تافيلالت الحبيب الشوباني، أرسل ابنه للدراسة بتركيا، ونصبه رئيسا لجمعية الطلبة هناك، وكذلك الوزيرة السابقة سمية بنخلدون، التي أرسلت أبناءها للدراسة بنفس الدولة، وكذلك عبد الإله الحلوطي، نائب رئيس مجلس المستشارين، والكاتب العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل، الذي سجل ابنته صفاء في جامعة بتركيا، إلى جانب ابنة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام للحزب، كما سجل العثماني ابنه نجم الدين، في جامعة «باهشيشيهير» (Bahçeşehir) في إسطنبول، وهي نفس الجامعة التي درس بها مصعب الحمداوي، وهو نجل محمد الحمداوي، القيادي بالحزب والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، المسؤول عن استقبال الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم بمختلف الجامعات والمعاهد التركية وهو الذي يتكلف بتسهيل الإجراءات الإدارية لدى السلطات التركية، وأسس إلى جانب صفاء الحلوطي، وأيمن الشوباني مركزا للوساطة لمساعدة أبناء أعضاء “البيجيدي” في التسجيل بالجامعات والمعاهد العليا بتركيا والحصول على المنح الدراسية، والإقامة بالأحياء الجامعية التي توفر السكن والتغذية مجانا، حيث نظم مؤخرا ابن الحمداوي زيارات لـ12 جامعة تركية إلى كل من مدن طنجة والدار البيضاء والرباط بغرض الترويج لتركيا كوجهة أكاديمية متميزة للطلبة المغاربة.
أما عزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن، فقد أرسل ابنته للدراسة بجامعة “مونتريال” بكندا، أما صهره البرلماني أحمد الهيقي، فأرسل ابنته لدراسة الطب بألمانيا، ما يفرض إتقانها للغتين الألمانية والإنجليزية، أما عبد العالي حامي الدين، البرلماني ورئيس لجنة التعليم بمجلس المستشارين، وزوجته بثينة قروري رئيسة منتدى الزهراء، فقد سجلا ابنتيهما بمدرسة فرنسية عريقة تحمل اسما كاثوليكيا بالرباط.
وهكذا نرى كيف أن أغلب الذين يرفضون فرنسة المواد العلمية للتلاميذ ويدافعون عن تعريبها لا يدرسون أبناءهم في مدارس الشعب العمومية، فهم يعرفون أن الطب والهندسة والمعلوميات في الخارج تدرس بالإنجليزية والفرنسية وليس بالعربية، ولذلك يعدون أبناءهم لهذا المستقبل، أما أبناء الشعب فيكذبون عليهم بالشعارات الرنانة حول الدفاع عن اللغة العربية، وعيونهم على أصواتهم الانتخابية.