سعدات اللي عندو جداتو فالعرس
مع
نحن الْيَوْمَ في المغرب نعيش زمن “اللي لقا ما يدي يديه”، وسواء تعلق الأمر بالنخبة السياسية أو الاقتصادية أو نخبة المثقفين فالقاعدة الذهبية السائدة حاليا هي “قضي غرض لراسك ولهلا يقلب فالشي لاخر“.
الوزراء يحلون مشاكلهم الاجتماعية ويترقعون ويترقون طبقيا ويغيرون مساكنهم وبعضهم يجدد فراشه ويبحثون عن معاش استثنائي يغنيهم عن العمل بعد الحكومة كما فعل بنكيران، البرلمانيون يتقاتلون من أجل قوانين تضمن لهم تقاعدا مريحا بعد البرلمان، أمناء الأحزاب مشغولون بتبليص أبنائهم في المؤسسات العمومية والخاصة وتسجيل الأصل التجاري للحزب في أسمائهم، والمغضوب عليهم ممن تم إنزالهم من سفينة بنكيران منشغلون بالتآمر مع هذا الأخير لدق إسفين في قعر سفينة حكومة العثماني لكي تغرق.
وقاعدة “كلها يضرب على عرامو” تظهر في عدة أصعدة أهمها القطاع الضريبي، الذي بسببه نرى كيف يحتج منذ سبعة أشهر الفرنسيون في شوارع باريس كل سبت، والذين لديهم الإمكانيات لكي يتفاوضوا على حجم ضرائبهم يصنعون ذلك، مثل هيئة الأطباء وهيئة المهندسين وهيئة المحامين وهيئة الموثقين، أما الموظفون فإن الضريبة تقوم بترييش رواتبهم من المنبع باقتطاع الضريبة على الدخل، وسوف تفاجؤون عندما ستعرفون أن حوالي 73 بالمائة من مبلغ 43 مليون درهم المقتطعة من الضريبة على الدخل تخرج من رواتب الموظفين العموميين، هذا في الوقت الذي لا يساهم فيه الأطباء والمحامون والمهندسون والموثقون سوى بواحد في المائة في الضريبة على الدخل، مع أنهم الأعلى دخلا في المغرب.
وبما أن هؤلاء الأطر “عندهم اللي يهضر عليهم” فإن الضريبة التي يدفعون يتفاوضون بشأنها مع إدارة الضرائب عبر ممثليهم في الهيئات المهنية التي ينتمون إليها، أما الموظفون فلهم الله لأن رواتبهم تتعرض للاقتطاع من المنبع ولا نقابات ولا هيئات هناك لكي تدافع عنهم.
أما في مجال اللوبيات والمختبرات الخاصة بشركات الدواء فتلك حكاية أخرى، وقليلون خارج المهنيين يعرفون ما يدور من معارك هذه الأيام بين الأطباء والصيادلة، فالصيادلة يقولون إنهم الوحيدون المخولون لوصف الدواء للمرضى نظرا لتجربتهم وخبرتهم،
أما الطبيب فدوره التشخيص وتحديد الموليكيل الموجودة في الدواء DCI دون تحديد اسم الدواء. ببساطة الطبيب عليه أن يكتفي بوصف الموليكيل la molécule وليس اسم الدواء، مما يعني حرمان الأطباء من توجيه مرضاهم نحو علامات وماركات ومختبرات بعينها تنتج دواء بعينه، وترك هذه المهمة للصيادلة.
ويطالب الصيادلة من أجل حمايتهم بإخراج قانون يعطيهم الحق في وصف دواء آخر مكان الدواء الذي يصفه الطبيب في حالة عدم وجوده في السوق.
والحقيقة أن هناك صراعا حول هوامش الربح بين الدواء الجنيس والأصلي والصيادلة يطالبون بأن يكون هامش الربح هو نفسه. مثلا عندما يبيع الصيدلاني دواء أصليا بـ150 درهما فهامش الربح يكون هو 50 درهما، فيما عندما يبيع الدواء نفسه في شكله الجنيس بـ60 درهما فإن هامش الربح يتقلص إلى 20 درهما.
في فرنسا الصيادلة لديهم هوامش الربح هذه نفسها في الدواء الجنيس لكن الفرق بينهم وبين الصيادلة عندنا هو أن صناديق التأمينات عن المرض رابحة في كل الحالات.
الصراع إذن حول من يملك الحق في وصف الدواء للمريض، الصيادلة يطالبون بهذا الحق والدواء الجنيس هل هو دواء فعال وإذا كان لا فرق بينه وبين الدواء الأصلي لماذا سعره منخفض مقارنة بالأصلي؟
لكي نشرح هذا الأمر سوف نعطي مثالا بسيطا، عندما تذهب لشراء سيارة جديدة فالشركة تقترح عليك سعر السيارة الأدنى والذي يعطيك الحق في سيارة خالية من تجهيزات إضافية أو ترفيهية، كما تقترح عليك سعر نفس السيارة الأقصى وهو السعر الذي يمنحك فرصة التمتع بكماليات إضافية في سيارتك.
هذا هو الفرق بين الدواء الأصلي والدواء الجنيس، الدواء الجنيس يتوفر على la molécule الضرورية فقط ولذلك فتكلفة إنتاجه منخفضة، فيما الدواء الأصلي يتكون من la molécule إضافة إلى لائحة من المكونات منها تلك التي تسهل امتصاص الدواء من طرف الجسم وتلك التي تحميه من الأضرار الجانبية للدواء، إلى غير ذلك من المكونات الكيماوية والطبيعية التي ترفع كلفة الإنتاج.
وهكذا فأصحاب المهن الحرة لديهم هيئاتهم المهنية التي تدافع عنهم وعن مصالحهم، والسياسيون منشغلون بالدفاع عن تقاعدهم والنقابيون لا وقت لهم لكي يخصصوه لسماع شكوى العمال، فيما الموظفون والطبقات العاملة لها الله، وكما يقول المغاربة “سعدات اللي عندو جداتو فالعرس”.