اختلالات في صفقات لوزارة الصحة بالملايير ومطالب بالتحقيق
مع تيلي ماروك
يتجه مجلس النواب إلى تشكيل لجنة استطلاعية للوقوف على الاختلالات التي شابت الصفقات التفاوضية بوزارة الصحة، وذلك بطلب من فريق الأصالة والمعاصرة، كما توصلت لجنة القطاعات الاجتماعية بطلبات لمثول وزير الصحة، خالد آيت الطالب، لتقديم توضيحات بشأن هذه الصفقات، وتزامنا مع ذلك تفجرت فضائح أخرى بخصوص صفقات بالملايير فوتتها المصالح التابعة للوزارة، مستغلة في ذلك الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا.
تفجرت سلسلة من الفضائح في تفويت صفقات من طرف المصالح المركزية والجهوية التابعة لوزارة الصحة، ومن بينها الصفقة التفاوضية رقم 3/2020 التي فوتتها المديرية الجهوية للصحة بجهة فاس مكناس، لإحدى الشركات المحظوظة،بمبلغ 130 مليون سنتيم، وتتعلق باقتناء مواد التطهير والتعقيم، وتبين أن هذه المواد مغشوشة، وأن الشركة المصنعة لا تتوفر على ترخيص من طرف مديرية الصيدلة والأدوية، وبعد تفجر الفضيحة، قررت المديرية إلغاء الصفقة، بعد توزيع المواد على المستشفيات والمراكز الصحية بالأقاليم التابعة للمديرية الجهوية.
وعرفت هذه الصفقة تطورات مثيرة، وصفتها الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحق في الحياة، بالخطيرة. وأوضحت الشبكة، في بلاغ لها، أنه بعد تسجيل عدم صلاحية وخطورة المواد التي تم اقتناؤها فضلا عن عدم احترام المساطر القانونية المرتبطة بتسجيل الشركة بقائمة الشركات المسموح لها من طرف وزارة الصحة بتصنيع وبيع وتوزيع المواد البيوطبية، ظهرت أخيرا مستجدات ومعطيات أخرى جديدة كشفت مستوى التلاعب والتزوير الذي طال اقتناء مواد وسوائل النظافة والتعقيم، بهدف تزويد المؤسسات الصحية للجهة من أجل الوقاية وحماية العاملين بها من مخاطر إصابتهم بفيروس كورونا.
وأفادت الشبكة بأن الصفقة أثارت جدلا كبيرا، حيث انتقلت على إثرها أُطر المفتشية العامة لوزارة الصحة للمرة الثانية في ظرف زمني قصير، وذلك في إطار لجان قامت بافتحاص الصفقة. وأسفرت النتائج الأولية للتحريات عن وجود اختلالات كبرى همت عدة جوانب للصفقة، حيث تم الوقوف على عدة تجاوزات، من بينها كون الشركة النائلة للصفقة، قامت، بالتواطؤ مع مسؤولين كبار بالمديرية الجهوية للصحة،بتسليم مواد التنظيف والتعقيم باسم شركتين تحملان اسما مخالفا للشركة التي نالت الصفقة، وكلاهما مسجلتان باسم صاحب الشركة الأولى، وهو ما يتضح من وثائق تسليم هذه المواد، التي تتضمن اسمين لشركتين لا علاقة لهما بالصفقة. وتساءلت الشبكة «كيف تم السماح وغض النظر عن هذا التزوير الذي شمل صفقة تهم موادا موجهة إلى جميع المؤسسات التابعة لمندوبيات الصحة بالجهة وتهم سلامة وصحة العاملين بها والمرضى المواطنين على حد سواء».
وكشفت الشبكة أن لجنة التفتيش المركزية وقفت على مجموعة من الاختلالات الأخرى، من ضمنها وجود عدة صفقات تعود لشركات استفاد أصحابها من استخلاص مستحقاتهم بالرغم من عدم استكمالهم لعملية التسليم لآليات ومستلزمات طبية بتواطؤ مع المديرية الجهوية. وطالبت الشبكة بفتح تحقيق في كل هذه الاختلالات، ودعت وزير الصحة إلى اتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية المترتبة في هذا الشأن مع إخبار الجهات المختصة في مراقبة ومحاربة تبذير المال العام.
ارتباك المدير الجهوي
تعاملت المديرية الجهوية للصحة بنوع من الارتباك بخصوص هذه الصفقة المثيرة، ففي بداية الأمر أنكر المدير الجهوي استلام هذه المواد، وذلك بعدما عبر المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية، قطاع الصحة بفاس، المنضوي تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، عن إدانته لصفقة تهم موادا صيدلانية مجهولة المصدر، موجهة لحماية الأطر الصحية بمستشفى الغساني وابن الخطيب تتضمن محلولا كحوليا وموادا مطهرة، وقالت، في بلاغ لها، إن المواد التي تم توزيعها لا تحترم أدنى المعايير القانونية والصحية، كما تغيب عنها المعطيات الضرورية، معتبرة ذلك استهتارا بحياة أطر الصحة الذين يشكلون خط دفاع الوطن الأول. وأشار البلاغ إلى أن إدارة المستشفى سارعت إلى سحب هذه المواد التي تجهل الجهة الواقفة وراء عقد صفقتها.
لكن، بعد تفجر فضيحة الصفقة، أصدر المدير الجهوي بلاغا بتاريخ 12 ماي الماضي، يتناقض تماما مع البلاغ الأول، أكد من خلاله أنه في إطار تنفيذ بنود الصفقة المتعلقة باقتناء مواد التطهير والتعقيم، واحتراما للشروط المتضمنة في بنود الصفقة، أمرت المديرية الجهوية بسحب المواد الموزعة على مستشفيات الجهة، علما أنه نفى استلام هذه المواد في البلاغ الصادر بتاريخ 20 أبريل الماضي، وأرجع سبب سحب هذه المواد إلى كون رخصة التصريح والتسجيل المسلمة من طرف مديرية الأدوية والصيدلة بوزارة الصحة للشركة المصنعة بصفتها مؤسسة تصنيع وتوزيع المعقمات الطبية تحمل تاريخا لاحقا لتاريخ إنتاج المواد التي وزعتها الشركة نائلة الصفقة.
وحصلت «تيلي ماروك» على لائحة المختبرات المرخص لها من طرف مديرية الأدوية والصيدلة لصناعة مواد التعقيم، وتضم اللائحة 26 شركة بتاريخ 9 أبريل الماضي، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة عن كيفية قبول مواد غير خاضعة للترخيص من مديرية الأدوية. والمثير في الأمر أن الشركة المصنعة حصلت على ترخيص من مديرية الأدوية بعد فوزها بالصفقة، وذلك تحت رقم 310 بتاريخ 6 ماي الماضي، أي بعد تفجر الفضيحة، وهو ما يستدعي فتح تحقيق حول كيفية منح هذا الترخيص من طرف مسؤولي مديرية الأدوية والصيدلة بوزارة الصحة، وهل فعلا خضعت منتوجات الشركة المصنعة لكل المساطر المعمول بها، وهل هذه المنتوجات تحترم الشروط والمعايير المعمول بها.
الفضائح تصل إلى البرلمان
وصلت تداعيات الضجة التي أثارتها صفقات ضخمة بوزارة الصحة، إلى قبة البرلمان، حيث دعا عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، التي عقدها مجلس النواب، أول أمس الأربعاء، إلى تكوين لجنة استطلاعية لمراقبة الصفقات التي تمت في مجال الصحة وغيرها من القطاعات العمومية، حفاظا على أموال دافعي الضرائب، والوقوف على ما شاب تلك الصفقات من ادعاءات للتأكد من صحتها، وفي حالة ثبوت وجود اختلالات، طالب وهبي بإحالتها على الجهات القضائية المختصة.
وتوصلت رئيسة لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب بطلبات من الفرق البرلمانية، لعقد اجتماع طارئ للجنة بحضور وزير الصحة، لتقديم توضيحات حول طبيعة الصفقات التي تم إبرامها بقطاع الصحة في ظل جائحة كورونا، كما وجه النائب البرلماني عن التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، سؤالا كتابيا إلى رئيس الحكومة، حول محاولة تمرير صفقات ضخمة في وزارة الصحة دون أن تكون لها صلة مباشرة بجائحة كوفيد 19، مشيرا إلى أنه تقرر في وقت سابق إبرام صفقات تدبيرها دون التقيد بقواعد مرسوم الصفقات العمومية، في ظل حالة الاستعجال المتصلة بتدبير الحكومة لتداعيات الجائحة، وتمكين المستشفيات العمومية من وسائل التصدي لها.
وعبر حموني عن تفهمه لعدم إخضاع توريدات الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية التي تدخل في الوقاية من وباء كوفيد 19 ومعالجة المصابين به لمرسوم الصفقات العمومية بشكل استثنائي، وتساءل عن مبررات تمرير صفقات أخرى في ظل هذه الظرفية الاستثنائية، دون دراسة جدواها أو التدقيق في الشركات التي رست عليها، أو الرجوع لقواعد المنافسة العادية، وطالب بالكشف عن طبيعة هذه الصفقات، وفتح تحقيق في الموضوع، وكذلك التدابير المتخذة في حالة تبذير المال العام، والتجاوزات، من تحديد المسؤوليات وتفعيل لآليات المحاسبة، حرصا على حماية المال العام.
تهافت على الصفقات التفاوضية
تفجرت العديد من فضائح الفساد التي شابت العديد من الصفقات بوزارة الصحة، وسبق للوزير آيت الطالب أن وجه رسالة إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قبل ظهور وباء كورونا بالمغرب، طلب من خلالها بالتخلي نهائيا عن طلبات العروض لاقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية، والتي تكلف الملايير سنويا، والاكتفاء بصفقات تفاوضية مباشرة مع الشركات، ما جعل العديد من الشركات الوطنية تعبر عن تخوفها من تكريس الوضع القائم بالوزارة، من خلال احتكار شركات معروفة لأغلب الصفقات، وبرر آيت الطالب طلبه بـ«الأهمية الخاصة التي توليها وزارة الصحة للأدوية والمستلزمات الطبية الحيوية، بالنظر لخصوصياتها، وارتباطها الوثيق بصحة المواطنات والمواطنين، مما يقتضي ضمان توفيرها بكمية تضمن الاستجابة الفورية للحاجيات المستعجلة لهذه الأدوية في الظروف غير المتوقعة».
وأضاف الوزير، في رسالته،«وبالرغم من المجهودات التي تبذلها الوزارة في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية عن طريق إبرام صفقات عمومية، فإن الواقع يثبت بأن خضوع عملية اقتناء بعض الأدوية والمستلزمات الطبية للمساطر المتعلقة بإبرام الصفقات العمومية يحول دون توفيرها في أوقات الحاجة الملحة إليها».
وأشار الوزير إلى أن الظروف غير المتوقعة الناتجة عن الانتشار الوبائي لبعض الأمراض، والخصوصيات المرتبطة ببعض الأدوية والمستلزمات الطبية المستوردة من الخارج وغير المتوفرة بالسوق المغربية تتطلب تعاملا خاصا لا يتلاءم مع الإجراءات والمساطر التي تتطلبها الصفقات العمومية، كما أن العديد من طلبات العروض التي تعلن عنها الوزارة لا يتم تقديم أي عرض بشأنهالاعتبارات تتعلق بالثمن أو تتعلق بالرغبة في إدراج أدوية ومستلزمات طبية أخرى ضمن موضوع الصفقة، فضلا عن وجود أدوية ومستلزمات طبية يسجل غياب المنافسة بشأنها بالنظر للاختصاص الحصري لبعض الشركات في تسويقها.
وأكد الوزير أن هذه الوضعية تترتب عنها عدة إكراهات، تتمثل أساسا في عدم قدرة الوزارة على توفير بعض الأدوية والمستلزمات الطبية في الأوقات المناسبة، والتوصل بالأدوية والمستلزمات الطبية بعد فوات الحاجة الملحة إليها، ونفاد المخزون وصعوبة تدبير حالات الانقطاع في السوق الوطنية، وكذلك تسجيل صعوبات في التخزين، وانتهاء مدة صلاحية الأدوية التي يتم اقتناؤها. وأوضح الوزير أنه لتجاوز النتائج السلبية لهذه الإكراهات على صحة الفئات المستهدفة وعلى المال العام، اعتبارا للخسائر المالية الكبيرة التي تتكبدها الوزارة في هذا المجال، فقد أعدت الوزارة لائحة أولية بشأن الأدوية والمستلزمات الطبية التي ينبغي عدم إخضاعها للإجراءات والمساطر المتبعة في الصفقات العمومية، وذلك بغية تمكين الوزارة من اقتناء الحاجيات الحقيقية من هذه الأدوية والمستلزمات الطبية في أوقات الحاجة إليها.
والتمس وزير الصحة من رئيس الحكومة، إعطاء تعليماته إلى وزارة الاقتصاد والمالية قصد الموافقة على الاقتراح المرفوع إليها من طرف وزارة الصحة بشأن إدراج اقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية ضمن لائحة الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي، دون تطبيق مسطرة طلبات العروض لتفويت الصفقات المتعلقة بها، وأحال رئيس الحكومة، رسالة وزير الصحة، على الأمانة العامة للحكومة، من أجل استطلاع رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية بشأن الملتمس الذي تتضمنه الرسالة، والإفادة بما ستتوصل إليه من استنتاجات مع الأخذ بعين الاعتبار صبغة الاستعجال التي يكتسيها الموضوع.