هكذا غرقت آسفي في الواد الحار بعد 4 سنوات من تسيير "البيجيدي"
مع
مرت 4 سنوات على وصول العمدة عبد الجليل لبداوي عن حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة مجلس مدينة آسفي، بعدما قدم مع إخوانه وعودا لساكنة الأحياء ناقصة التجهيز، وتعهدوا بالقضاء على الفساد وإعادة الاعتبار لمدينة آسفي على مستوى المشاريع التنموية، وخلق فرص الشغل وتحسين الخدمات الجماعية في الصحة والإنارة العمومية والتطهير السائل والقضاء على الفساد، وبعد 4 سنوات على وصول العمدة عبد الجليل لبداوي وإخوانه إلى رئاسة مجلس المدينة، تؤكد المعطيات الميدانية انقلاب منتخبي العدالة والتنمية على برنامجهم، وفشلهم في إنقاذ مدينة تعتبر قطب الاقتصاد الصناعي الوطني والجهوي، ولديها من المؤهلات ما يجعلها في مقدمة المدن المغربية الخالقة للثروة.
لقد حملت نتائج الانتخابات الجماعية الأخيرة عبد الجليل لبداوي إلى كرسي عمادة المدينة بشعارات كبيرة تهم تخليق الإدارة وتحقيق التنمية والرفع من المداخيل، وظلت قلوب الآسفيين تنتظر رفع الحيف عن مدينة تعتبر عصب الاقتصاد الوطني بصناعاتها الكيماوية ومعامل التصبير وصيدها البحري وخيراتها الفلاحية وشواطئها ومقالع رمالها وخزفها التقليدي، وهي كلها مؤهلات تخلق الثروة، لكن لا تنعكس على أداء مجلس المدينة الذي يدبر اليومي، ولم يستطع القضاء على فساد الإدارة والاستجابة لتطلعات الساكنة وحقها في إنارة عمومية وتعميم لشبكة التطهير السائل وخلق وصيانة المناطق خضراء والطرقات، بل لم يستطع مجلس «البيجيدي» حتى ضمان حد أدنى من خدمات النظافة، بعدما تحولت آسفي إلى مطرح عشوائي للأزبال، وصلت حد محاصرة الإقامة الملكية.
مظاهر فشل مجلس «البيجيدي»
لقد خصص مجلس آسفي بقيادة العمدة عبد الجليل لبداوي كل دورات المجلس خلال أربع سنوات الماضية للمصادقة على نقط واتفاقيات ثانوية، ليست لها طابع الأولوية بالنسبة لمتطلبات المدينة والساكنة، وفضل العمدة وإخوانه الابتعاد عن قطاعات مهمة لها انعكاس كبير على وضع المدينة، كالموظفين الأشباح والإنارة العمومية، وتدبير قطاع النظافة والوضعية الكارثية للمطرح العمومي للنفايات، والمجزرة البلدية التي تعتبر نقطة سوداء تهدد صحة المستهلكين، واحتلال الملك العمومي من قبل المقاهي والباعة المتجولين، والبناء العشوائي الذي تمدد جنوبا بالقرب من الحزام الأخضر للمركبات الكيماوية، حيث تظهر صور عبر الأقمار الصناعية التابعة لشركة «غوغل»، زحفا غير مسبوق في البناء العشوائي الذي تمدد بجانب خط السكة الحديدية والمنطقة الخضراء الوقائية للمركبات الكيماوية، وتحولت العديد من الأراضي الفلاحية داخل المجال الحضري إلى تجمعات سكنية بدون تراخيص ولا إنارة عمومية وغير موصولة بشبكة التطهير السائل، وفي مناطق ممنوع فيها البناء وغير مجهزة بالبنيات التحتية.
لم يضع منتخبو العدالة والتنمية في المجلس الجماعي لمدينة آسفي في صلب اهتمامهم الوضعية الاستثنائية التي تعيشها المدينة، سواء على مستوى الاهتمام الملكي خلال عهد الراحل الحسن الثاني، أو خلال عهد الملك محمد السادس الذي خصها بأربع زيارات ملكية حملت مشاريع تنموية واجتماعية غير مسبوقة للإقليم، في مساهمة لإرجاع مدينة آسفي إلى مرتبتها ضمن الاقتصاد الوطني، ورفع حالة الغبن عنها وفك الحصار الذي ضربها وجعلها مدينة منسية رغم مؤهلاتها البحرية والطاقية والفلاحية.
فكل المؤشرات والأرقام الرسمية تشير إلى أن مجلس مدينة آسفي لم يستطع كسب الرهان ومواكبة مشاريع ملكية كبيرة سواء على مستوى بناء أكبر محطة لمعالجة المياه العادمة أو إعطاء الانطلاقة لمشروع التأهيل الحضري، وأشغال تهيئة المدينة العتيقة وإعادة إيواء ساكنة الدور الآيلة للسقوط، وإحداث مناطق تعمير جديدة لمشاريع السكن الاقتصادي، حيث فشل مجلس مدينة آسفي في ترشيد نفقات التسيير وظل حبيس مقاربة إعداد ميزانية لا تواكب الرهانات الجديدة، خاصة الحد من العجز المالي وتراكم الديون، وأصبحت مهام المجلس تقتصر في أداء رواتب الموظفين بعدما ارتفعت كتلة الأجور ترتفع إلى ما يقارب 11 مليار سنتيم، وهي مجموع رواتب قرابة 2000 موظف جماعي، ربعهم لا يلتحق بعمله وفيهم من يمتهنون مهنا حرة وأعمال تجارية، حيث تقدر إحصائيات غير رسمية عدد الموظفين الأشباح ببلدية آسفي بقرابة 500 موظف شبح.
الوضعية المالية لمجلس مدينة آسفي حولته إلى طالب صدقة من المجلس الإقليمي ومجلس الجهة والميزانيات الاستثنائية لوزارة الداخلية، وبدونها لا يستطيع المجلس أداء مهامه بشكل عادي والاستجابة الملحة لمتطلبات الساكنة في الإنارة العمومية وتهيئة البنيات التحتية الطرقية والصحة والتعليم وتحسين الخدمات الجماعية سواء في توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل وتهيئة المساحات الخضراء والمساهمة في التنمية الثقافية والسياحية للمدينة، حيث لم يتمكن مجلس مدينة آسفي الذي يسيره حزب العدالة والتنمية في تنفيذ شعارات ترشيد النفقات، ويخصص سنويا ميزانية تصل إلى 320 مليون سنتيم تصرف بالكامل على المحروقات وسيارات البلدية، في وقت لم يقدم مجلس «البيجيدي» أي مقترحات بخصوص إعادة جدولة الديون المتراكمة على المجلس سواء في ولايته الجديدة أو الولاية السابقة التي كان حزب العدالة والتنمية يشارك في أغلبيتها مع الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال.
بطالة وتلوث
لقد شهدت مدينة آسفي خلال السنوات الأخيرة توسعا جغرافيا لم تشهده من قبل، ورأت أحياء جديدة النور، لكن المدينة التي كانت في السابق قبلة للسياحة الداخلية والخارجية، فقدت توهجها، وأغلقت مآثرها بسبب الإهمال، وأصبحت آيلة للسقوط، ولم تعد المدينة تغري المستثمرين، وأضحت تشهد ركودا اقتصاديا مخيفا، مقابل تنامي الاقتصاد غير المهيكل عبر الباعة المتجولين الذين احتلوا الساحات والممرات، كما تعرف آسفي أعلى معدلات البطالة وطنيا حسب الأرقام الرسمية، حيث يبلغ معدل البطالة في المدينة 24، 6 بالمائة، بقرابة 200 ألف من الساكنة غير النشيطة، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط.
وتعيش المئات من الأحياء السكنية بمدينة آسفي محاصرة ببرك ملوثة ونتنة للمياه العادمة بعد فشل المشروع الملكي لتعميم شبكة التطهير السائل على كل الأحياء مدينة آسفي ووضع نظام لمكافحة الفيضانات وإنشاء محطة بيئية لمعالجة المياه العادمة، وهو المشروع الكبير الذي أعطى الملك محمد السادس أشغال انطلاقته في أبريل من سنة 2013، وكان مبرمجا تسليمه واستفادة المدينة منه في سنة 2016، قبل أن يتبين اليوم أن المشروع الذي كلف غلافا ماليا يصل إلى 747 مليون درهم، لم ينجز إلى اليوم، من قبل الوكالة الجماعية المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء التي يمثل فيها مجلس آسفي في مجلس إدارتها ويساهم في تسييرها.
و تعرف أحياء ديور السي عباس والشعبة والدريوشات والعريصة والشيشان ودوار الرمل وتاكابروت والجبارات وقرية شمس العليا إحدى أعلى معدلات الفقر والبطالة، مع غياب كلي للبنيات التحتية، حيث تعيش الساكنة في منازل تخترقها المياه العادمة ومحاصرة بالأتربة والقاذورات والأزبال، كما تفتقر هذه الأحياء إلى التجهيزات الضرورية كالطرقات والأرصفة والإنارة العمومية والمساحات الخضراء، بعدما فشل العمدة عبد الجليل لبداوي عن حزب العدالة والتنمية منذ 4 سنوات على انتخابه، في معالجة ملف الأحياء ناقصة التجهيز التي تعتبر نقطة سوداء على مستوى التنمية البشرية.
وبعد أربع سنوات من التسيير انقلب حسر الوعود الانتخابية على العمدة لبداوي، وفي مشهد ساخر خرج المئات من سكان الحي الشعبي ديور السي عباس ورفعوا شعارا عبر لافتة كتبوا عليها «تعاونو معانا نشريو القوادس جماعة آسفي ما عندهاش باش تشريهم لينا»، حيث حمل سكان حي ديور السي عباس المسؤولية للعمدة عبد الجليل لبداوي عن حزب العدالة والتنمية والعامل الحسين شاينان اللذين سبق لهما أن قاما بزيارات ميدانية للحي وقدما وعدا للسكان بالقضاء على بحيرة المياه العادمة وتأهيل الحي وإيصال جميع الخدمات الجماعية إليه خاصة الربط بشبكة التطهير والإنارة العمومية وإنشاء محطة حديثة لتجميع وتصريف مياه «الواد الحار»، دون أن يفيا بوعودهما.
مشاريع ملكية هيكلية
أعطى الملك محمد السادس سنة 2013 انطلاقة مشروع التطهير السائل لآسفي، الذي يروم تأهيل الشبكة الحالية وتعميمها على كافة أحياء المدينة، مع تجهيز الأحياء ومناطق التوسع العمراني التي لم يشملها بعد الربط بشبكة التطهير السائل، كما شمل المشروع الملكي وضع آليات وتجهيزات لمكافحة الفيضانات والحفاظ على الموارد المائية عن طريق إعادة استعمال المياه المعالجة، حيث أعطى الملك محمد السادس في سنة 2013 إعطاء انطلاق بناء وتجهيز محطة لمعالجة المياه العادمة تبلغ طاقتها ما يعادل استعمالات 316 ألف نسمة، مع محطة للضخ وقنوات للتصريف والتجميع، وهي كلها منشآت ومشاريع حيوية بقيت معلقة بدون تنفيذ، بعدما كان مقررا انتهاء الأشغال واستفادة المدينة منها في سنة 2016.
وبالرغم من كل المؤهلات الصناعية والفلاحية والتجارية والبحرية التي تتوفر عليها مدينة آسفي إلا أنها لا تساهم سوى بـ 4 بالمائة من مستوى خلق الثروة على المستوى الوطني، بمقابل 52 بالمائة بالنسبة لمدينة الدار البيضاء، وهو الوضع الذي أثر بشكل كبير على تأهيل المدينة ونقلها إلى مصاف المدن الخالقة للثروة، وهي كلها اعتبارات لم تلق أي سند لتقويم وتصحيح هذه الإعاقة من قبل جماعة آسفي.
المشهد العام في آسفي اليوم وبعد 4 سنوات من تسيير حزب العدالة والتنمية، هي انتظارية قاتلة وأحياء محاصرة بالمياه العادمة، وشباب عاطل ينتظر أول فرصة للهجرة السرية عبر قوارب الموت، وهجرة رؤوس الأموال والمستثمرين عن مدينة لا تغري بأي استثمار، ومجلس يعيش على استهلاك الزمن، وإدارة جماعية ينخرها الفساد والبيروقراطية والموظفين الأشباح، ...مدينة لم يعد بإمكان مجلسها أن يشتري مصابيح الإنارة العمومية ولا أن يؤدي مستحقات استهلاك الماء والكهرباء، ...فأصبحت جماعة آسفي هيئة منتخبة متسولة تنتظر صدقات المجلس الإقليمي ومجلس الجهة، وتحول عمدتها إلى ضيف فوق العادة يمضي وقته في حضور الأنشطة الرسمية والحفلات والسفريات في انتظار الانتخابات المقبلة.