شركات "مستوطنة" داخل تعاضدية الموظفين
مع
حصل موقع "تيلي ماروك" على وثائق جديدة تتضمن معطيات حول وجود شبكة من الشركات تستحوذ على أغلب الصفقات التي تعلنها التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، بحيث أصبحت تسمى "الشركات المستوطنة داخل التعاضدية"، فضلا عن الخروقات التي تشوب الصفقات التي تحصل عليها هذه الشركات.
وتفيد هذه الوثائق بأن الإعلان عن طلب عروض مفتوح لاقتناء تجهيزات طبية من خلال خمس حصص تولدت عنه صفقتان، الأولى بمبلغ 275 مليون سنتيم تمت تسويتها بعد مرور أكثر من 18 شهرا على تنظيم الصفقة، وبعد ثلاثة أشهر من استلام المعدات التي تمت بتاريخ 30 دجنبر 2015 حسب المحاضر المتوفر عليها، والثانية بمبلغ 119 مليون سنتيم وتمت تسويتها بتاريخ 5 يونيو 2015 لتزويد عيادات الفحوص الطبية ومعامل تركيب النظارات بتجهيزات طبية، وبلغت القيمة الإجمالية لهاتين الحصتين ما يناهز 400 مليون سنتيم.
لكن ما يثير الانتباه هو أن فواتير الشركتين تحمل معدات متشابهة وبأثمان مختلفة، خصصت لتجهيز عيادات طبية غير مرخص لها وضعيفة المردودية بخمس مدن مغربية، وهي بنجرير وقلعة السراغنة والراشيدية ومراكش والدار البيضاء، ولم تقم التعاضدية العامة بدراسة علمية وتقنية قبلية من أجل التأكد من توفير الشروط المطلوبة لإحداث مثل هذه المرافق، خاصة توفر عدد كاف من المنخرطين لتحقيق التوازن المالي لهذه الوحدات، والذي يجب أن يتعدى 5 آلاف مؤمّن بكل مدينة، وهو ما لا يتوفر بهذه المدن بحكم أن أغلب موظفيها منخرطون بتعاضدية (امفام) المستحوذة على انخراطات موظفي الدولة العاملين جنوب الرباط أو ليس بها عدد كبير من موظفي الدولة بحكم محدودية المصالح الإدارية الموجودة بها.
وأكدت المصادر أن هذه السياسة العشوائية في التدبير هي التي جعلت هذه الوحدات الصحية تحقق عجزا بنيويا إجماليا سنويا في حساباتها لا يقل عن 900 مليون سنتيم بالنسبة لكل الوحدات الاجتماعية، والتي تقتضي من الوزارات الوصية إغلاقها وسحب الترخيص منها (إذا كانت تتوفر على ترخيص) وفقا للمادة 27 من ظهير التعاضد، بحكم أنها لم تحقق توازنها المالي وتشكل خطرا على ودائع المنخرطين وأموالهم الاحتياطية.
وكشفت المصادر أن الصفقتين المشار إليهما سابقا هما من الصفقات الخطيرة التي تم تفويتها داخل التعاضدية، وتعتبر من بين خمس حصص همت صفقة كبرى حدد ثمنها في مليار سنتيم وتضمنت تجهيزات عيادات الأسنان ومعدات فحص الجهاز الهضمي والقلب، بحيث تم تفويت الحصتين التوأم بمنطق "الوزيعة" لشركتين، وبتحديد شروط ملغومة ضمن نظام الاستشارة التقنية، حيث تم إبعاد كل المشاركين قبل فتح العروض المالية، ما جعل التعاضدية العامة تسدد أثمنة مضاعفة ثلاث مرات عن ثمن السوق، وهو ما دفع الطبيب المسؤول عن مصلحة الفحوص الطبية (رشيد الصالوت) إلى التعبير عن رفضه هذا السلوك ما جر عليه غضب عبد المولى الذي طرده من منصبه، وكذلك الشأن بالنسبة لرئيس قسم الصفقات الملحق من وزارة المالية، والذي رفض التأشير على الصفقة، ما عجل بطلب استقالته بعد مرور ستة أشهر على إلحاقه.
واعتاد رئيس التعاضدية التعامل مع صاحب هذه الشركة الذي يدعي استيراد الأجهزة من اليابان، لذلك يقوم بفرض أثمنة خيالية، وهو ما نبهت إليه كل فرق التفتيش التابعة لوزارة المالية المتعاقبة على افتحاص حسابات التعاضدية العامة، ويرفض صاحب الشركة تكوين تقنيي المؤسسة على استعمال التجهيزات التي يوردها وكذلك صيانتها حتى تبقى المؤسسة رهينة بين يديه. وتعتبر هذه الشركة من إحدى تركات الرئيس السابق التي ورثها لعبد المولى، حيث حققت معه لوحده رقم مبيعات بلغ 1.3 مليار سنتيم، بعد أن زودت المصالح الطبية بمعدات وتجهيزات في أربع مناسبات، وفي ظل وجود شركات رائدة في هذا المجال تتوفر على خبرة متطورة في الصيانة والإصلاح وتقدم عروضا بأثمان تفضيلية ومناسبة. وأكدت المصادر أن توزيع المعدات والتجهيزات موضوع هذه الصفقات على المدن المذكورة منذ 2015 لم تحقق منه المؤسسة الأهداف المرجوة، حيث لم تتعد نسبة الاستفادة منها في المتوسط معدل منخرط في اليوم، وقد يصل العدد إلى منخرطين اثنين في نصف شهر كما يتبين ذلك من خلال جداول التقارير الأدبية السنوية التي يعرضها الرئيس على الجموع العامة.