برلمان راسي يا راسي
مع
في غمرة موجة الاحتجاجات التي يخوضها التجار الصغار ضدا على التصريح الإلكتروني، ومع اقتراب موعد الاقتطاع الرابع من أجور مليون موظف لتمويل صناديق التقاعد، لم يجد رؤساء الفرق بمجلس النواب من شيء يفعلونه سوى اجتماع عاجل للبحث عن مخرج لريع معاشاتهم وتمريره في صمت قبل نهاية الدورة الحالية.
ليس هناك من استهتار بالمنصب الدستوري وانتهازية مقيتة أكثر من هاته التي جعلتنا أمام طينة من البرلمانيين لا يفكرون سوى في تأمين مستقبلهم وجعله على رأس أولوياتهم، ومنح الأسبقية للمصلحة الخاصة على المنفعة العامة.
فالبرلمان لم يتحرك إزاء إيقاف اقتطاعات تقاعد البرلمانيين، علاوة على دعمه لقرار حكومة بنكيران، ولم يكلف نفسه عناء الضغط على الحكومة للتجاوب مع مطالب المركزيات النقابية للرفع من متوسط عيش المواطن. ولم يتحدث البرلمان ولو بكلمة عن الضريبة على الدخل التي تثقل كاهل أكثر من 12 مليونا بالقطاعين العام والخاص، ولم يتدخل من أجل إيقاف الارتفاع الجنوني للأسعار، لكنه يتحرك بإصرار وبدون ملل حينما يريد أن يشرع لريع أعضائه.
والغريب في الأمر أن الحزب الحاكم، الذي يأخذ باليمنى من تقاعد الموظف البسيط، هو من يناضل بشراسة في البرلمان ليعطي باليسرى معاشا ريعيا عن مهمة انتخابية. فحزب العدالة والتنمية، الذي أعلن في وقت سابق عن «بروباغندا» مقترح قانون لتصفية صندوق المعاشات، سرعان ما تراجع عن موقفه وسحب مقترحه بحجة التوافق الخادع. والحقيقة أنه لا يقوى على العيش بعيدا عن الامتيازات والمنافع التي أفسدت أخلاق رموزه وجعلتهم يبررون انقلابهم على مبادئهم وأفكارهم التي أوهموا بها المواطن البسيط.
والسؤال المطروح كيف لبرلمان لا يستطيع أن يتحكم في جشع رجالاته وبحثهم المستمر عن الامتيازات خلال الولاية وخارجها داخل الوطن وخارجه، ويشرع لنفسه أنه يستطيع المساهمة في تسيير بلد والدفاع عن ممثليه الفقراء، وقبل ذلك أن يحافظ على احترام المغاربة؟
فالقناعة التي أصبحت لا تنتابها أية ذرة شك، هي أن البرلمان يفقد كل يوم قيمته وسمعته، ويبدد حظه من الاحترام ويزيد من رقعة العدمية والتبخيس، بسبب تغّول ثقافة الانتهازية السياسية وسيادة أخلاق الاستهتار. ولن تتجاوز المؤسسة التشريعية تدهورها الرهيب إلا بقرارات وسلوكات ومراجعات جريئة تجعل البرلمان صادقاً مع نفسه، قريبا من هموم المغاربة، يعمل ممثلوه للصالح العام وليس الخاص، ولا يحولون القبة إلى إقامة تجعلهم أثرياء بين ليلة وضحاها فيما يظل ناخبوهم فقراء مدى الدهر.
تنشر بالاتفاق مع جريدة "الأخبار" الورقية