وزير الصحة يلغي طلبات عروض لتفويت صفقات بالملايير ومطالب بالتحقيق
مع تيلي ماروك
يتجه وزير الصحة، خالد آيت الطالب، إلى إلغاء صفقات بالملايير فوتتها المصالح التابعة لوزارة الصحة عن طريق مسطرة طلب العروض، وذلك قبل تفشي جائحة كورونا، لإعادة تفويتها من جديد بطريقة مباشرة لشركات محظوظة في إطار ما يسمى بالصفقات التفاوضية، مستغلا في ذلك التفويض الذي حصل عليه من وزارة المالية في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر منها البلاد.
وسبق للوزير آيت الطالب أن وجه رسالة إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قبل ظهور وباء كورونا بالمغرب، طلب من خلالها التخلي نهائيا عن طلبات العروض لاقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية، والتي تكلف الملايير سنويا، والاكتفاء بصفقات تفاوضية مباشرة مع الشركات، ما جعل العديد من الشركات تعبر عن تخوفها من تكريس الوضع القائم بالوزارة، من خلال استحواذ شركات محظوظة على هذه الصفقات السمينة. والتمس وزير الصحة من رئيس الحكومة، إعطاء تعليماته إلى وزارة الاقتصاد والمالية قصد الموافقة على الاقتراح المرفوع إليها من طرف وزارة الصحة بشأن إدراج اقتناء الأدوية والمستلزمات الطبية ضمن لائحة الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي، دون تطبيق مسطرة طلبات العروض لتفويت الصفقات المتعلقة بها، حيث أحال رئيس الحكومة، رسالة وزير الصحة، على الأمانة العامة للحكومة، من أجل استطلاع رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية.
إلغاء وإعادة تفويت
شرع وزير الصحة عمليا في إلغاء بعض الصفقات من أجل إعادة تفويتها بطريقة مباشرة دون اللجوء إلى طلبات العروض، رغم أن هذه الصفقات لا علاقة لها بجائحة فيروس كورونا ولا تكتسي طابعا استعجاليا، ومنها صفقات فوتتها الوزارة قبل سنة.
وأفادت المصادر بأن جهات نافذة داخل وزارة الصحة ورطت الوزير في هذه القرارات، لتمرير صفقات بمبالغ ضخمة، وذلك قبل رفع حالة الطوارئ الصحية.
ومن بين الصفقات التي شرع الوزير في إلغائها، صفقات تم تفويتها سابقا في إطار قانون الصفقات العمومية، تتعلق بتجهيز المراكز الاستشفائية الجامعية الجديدة، خاصة مركزي طنجة وأكادير، اللذين خصصت لهما الوزارة مبلغا يقدر بحوالي 200 مليار سنتيم، ويدخل في إطار الهبة المالية التي منحتها دول مجلس التعاون الخليجي لوزارة الصحة، وتبلغ قيمتها 800 مليار سنتيم، حيث أعلنت المديرية الجهوية للصحة ومجلس جهة طنجة ومديرية التجهيزات والصيانة بوزارة الصحة، خلال السنة الماضية، عن طلبات عروض، من بينها طلب عروض رقم 03/2/2019 المتعلق بتجهيز المركز بالتجهيزات البيوطبية، والتجهيزات التقنية، وتجهيز الغرف والمكاتب، وكذلك طلب العروض يتعلق بتجهيز المركز بمعدات التعقيم بمبلغ يقدر بـ 20.6 مليون درهم فازت بها إحدى الشركات، بينما فازت شركة أخرى بالصفقة الخاصة بـ «السكانيرات»، ومعدات الفحص بالرنينالمغناطيسي«IRM»بمبلغ 38 مليون درهم.
بعيدا عن الأعين
أصدر وزير الصحة يوم 8 يونيو الجاري قرارا يلغي بموجبه الصفقة رقم 03/2/2019 الخاصة بتجهيز المستشفى بالآليات الطبية والتقنية، من أجل إعادة تفويتها بطريقة مباشرة إلى إحدى الشركات التي تستحوذ على صفقات الوزارة، رغم أن هذه الصفقات تم الإعلان عنها وتفويتها قبل سنة، ولا علاقة لها بوباء كورونا، وليس لها طابعا استعجاليا حتى يتم القفز على القوانين والمساطر المنظمة للصفقات العمومية ومعايير الشفافية.
وأفادت المصادر بأن ثلاثة مهندسين يشتغلون بمحيط الوزير هم من يقفون وراء قرارات إلغاء الصفقات، كما أن الصفقات التفاوضية تتم بعيدا عن أعين مديرية التجهيزات والصيانة، وأكدت مصادر من المديرية، أن هذه الأخيرة تحولت إلى أداة للتوقيع فقط، فضلا عن تغييب رأي الأساتذة الأطباء الجامعيين المعنيين مباشرة بالتجهيزات الطبيبة الجراحية لأن مسؤولية الأخطاء المهنية سيتحملها الطبيب الجراح في حالة عدم مطابقة هذه الأجهزة للمعاير العلمية والتقنية.
وكشفت المصادر عن تفويت صفقة تفاوضية تتعلق بتجهيز قاعات الجراحة بالمركز الاستشفائي الجامعي بطنجة لشركة رقم أعمالها لا يسمح لها بتمويل المشروع ولا تتوفر على المؤهلات التقنية والموارد البشرية المؤهلة والكافية لتنفيذ مشروع الصفقة، أما بالنسبة للصفقة الثانية، يتعلق الأمر بشركة محظوظة حصلت على صفقة تفاوضية تتعلق بتجهيز مركز التعقيم بغلاف مالي حدد في 16 مليون درهم، والخطير في الأمر أن شركة معروفة عرضت مبلغا أقل بمبلغ 13 مليون درهم، علما أن صفقات التجهيزات الطبية يجب عرضها على لجنة تتكون من أساتذة جامعيين بكلية الطب لاختبار جودتها والتأكد من فعاليتها، وخاصة الآليات المستعملة في الإنعاش والجراحة.
وسجل تقرير أنجزته وزارة الاقتصاد والمالية وجود اختلالات في صرف الهبة المالية التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي لوزارة الصحة، والتي تقدر قيمتها بـ 8 ملايير درهم، كانت مخصصة لبناء مستشفيات جامعية بطنجة وأكادير وإعادة بناء مستشفى جامعي بالرباط ابن سينا. وكشف التقرير وجود تعثر كبير في هذه المشاريع، حيث تسير الأشغال ببطء شديد بكل من المستشفى الجامعي بمدينة طنجة وكذلك المستشفى الجامعي بمدينة أكادير، فيما لم تبدأ الأشغال بالمستشفى الجامعي بالرباط، وأكد التقرير أنه لحدود هذه السنة لم تصرف الوزارة سوى 1,2 مليار درهم، وبالنسبة لبرنامج تأهيل البنيات التحتية الاستشفائية، التي تكلف مليار درهم كل سنة ابتداء من 2016، لاحظ التقرير أن هناك تعثرا كبيرا في تنفيذ البرنامج.
استغلال الظروف الاستثنائية
يتجه مجلس النواب إلى تشكيل لجنة استطلاعية للوقوف على الاختلالات التي شابت الصفقات التفاوضية بوزارة الصحة، وذلك بطلب من فريق الأصالة والمعاصرة، كما توصلت لجنة القطاعات الاجتماعية بطلبات لمثول وزير الصحة أمام البرلمان، لتقديم توضيحات بشأن هذه الصفقات، وتزامنا مع ذلك تفجرت فضائح أخرى بخصوص صفقات بالملايير فوتتها المصالح التابعة للوزارة، مستغلة في ذلك الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا.
وتوصلت رئيسة اللجنة البرلمانية بطلبات لعقد اجتماع طارئ للجنة بحضور وزير الصحة، لتقديم توضيحات حول طبيعة الصفقات التي تم إبرامها بقطاع الصحة في ظل جائحة كورونا، كما وجه النائب البرلماني عن التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، سؤالا كتابيا إلى رئيس الحكومة، حول محاولة تمرير صفقات ضخمة في وزارة الصحة دون أن تكون لها صلة مباشرة بجائحة كوفيد 19، مشيرا إلى أنه تقرر في وقت سابق إبرام صفقات تدبيرها دون التقيد بقواعد مرسوم الصفقات العمومية، في ظل حالة الاستعجال المتصلة بتدبير الحكومة لتداعيات الجائحة، وتمكين المستشفيات العمومية من وسائل التصدي لها، وطالب عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، التي عقدها مجلس النواب، بتكوين لجنة استطلاعية لمراقبة الصفقات التي تمت في مجال الصحة وغيرها من القطاعات العمومية، حفاظا على أموال دافعي الضرائب، والوقوف على ما شاب تلك الصفقات من إدعاءات للتأكد من صحتها، وفي حال ثبوت وجود اختلالات، طالب وهبي بإحالتها على الجهات القضائية المختصة.