« دار أمريكا » تستقطب 200 مدرس جديد رغم برنامج تعميم الإنجليزية
مع Télé Maroc
ماتزال برامج التعاون الثقافي بين المغرب والدول الغربية الكبرى مثار أسئلة كثيرة حول الاستنزاف الذي تتعرض له مؤسسات التعليم العمومي من خيرة المدرسين، سواء في المواد الدراسية المصنفة على أنها لغوية أو تلك التي تعتمد اللغات الأجنبية في التدريس، وخاصة العلمية والتقنية. فقد تجددت هذه الأسئلة بمناسبة مباراة نظمتها دار أمريكا لاختيار حوالي 200 مدرس يدرّسون اللغة الإنجليزية أو يدرّسون بها، ويأتي هذا القرار في وقت تعلن وزارة التربية الوطنية عزمها تعميم اللغة الإنجليزية في التعليم الإعدادي. ورغم فوائد «الديبلوماسية»، فإن هذا القرار يسبب الاستنزاف نفسه الذي تعرضت له المنظومة طيلة عقود من طرف مدارس البعثات الفرنسية، التي تخلت تقريبا عن جل مدرسيها الفرنسيين وعوضتهم بمدرسين مغاربة تابعين للتعليم العمومي، مقابل تعويضات مغرية.
في وقت يعتبر أغلب مدرسي اللغات الأجنبية الانتساب للمدارس الأجنبية «مفخرة» لهم، خصوصا مع الامتيازات المالية والشخصية التي يستفيدون منها، فإن المنظومة التربوية تفقد أجود مواردها البشرية، سيما أن كل هؤلاء يتم منحهم وضعية إلحاق رغم انتسابهم للتعليم العمومي.
هكذا نظمت القنصلية العامة الأمريكية بالدار البيضاء، من خلال مركزها الثقافي دار أمريكا، الأحد، معرض توظيف لصالح مُدرسي اللغة الإنجليزية. وشهد الحدث مشاركة أكثر من 200 مدرس ومدرسة ممن يستخدمون اللغة الإنجليزية وسيلة للتعليم في مواد مختلفة، بما في ذلك تعلم اللغة والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. والتقى المدرسون الحاضرون مع ممثلين من 15 مؤسسة، منها مدارس خاصة وجامعات ومراكز تعليم اللغة الإنجليزية. وتم تصميم معرض التوظيف ليكون فرصة للتواصل والتوظيف والتطوير المهني، واستضاف أيضًا ثلاث حلقات نقاش بقيادة مجموعة من خبراء التعليم والأكاديميين المتميزين.
وكانت المواضيع التي تم تناولها تشمل التعليم في عصر التكنولوجيا الذكية، ومكافحة الإقصاء في الفصول الدراسية والانتقال إلى اللغة الإنجليزية داخل نظام التعليم المغربي.
ويأتي المعرض ليمثل مبادرة تدعم جهود الحكومة المغربية لتعزيز فرص العمل وتشجيع إدراج اللغة الإنجليزية في المدارس المغربية. وقالت القنصل العام الأمريكية، ماريسة سكوت، بهذه المناسبة: إن المغرب «يخطو خطوات كبيرة في تحديث نظامه التعليمي بشكل عام، بما في ذلك من خلال إدراج اللغة الإنجليزية في المناهج الدراسية في وقت مبكر. ويشرفنا أن ندعم هذه المساعي من خلال فعاليات مثل معرض التوظيف اليوم».
الوجه الإيجابي لهذا «التعاون» كشفت عنه القنصل العام ماريسة سكوت، التي أكدت على أن من أمثلة التعاون بين الولايات المتحدة والمغرب في هذا المجال برنامج Bridge to Middle School، وبفضل هذا البرنامج، قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بتعاون وثيق مع وزارة التربية الوطنية المغربية، بدعم إدخال اللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية الإعدادية التجريبية في ثلاث مناطق بالمملكة.
وتم تصميم برنامج Bridge to Middle School للفترة 2022–2027، وانطلق سنة 2022 في ثلاث جهات تجريبية: طنجة- تطوان-الحسيمة، ومراكش- آسفي، وبني ملال- خنيفرة. وبفضل البرنامج، تم حتى الآن إدخال اللغة الإنجليزية في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية في 60 مدرسة إعدادية تجريبية عام 2023. وتنضم جهة الدار البيضاء – سطات أيضا إلى الجهود المغربية الرامية إلى إدخال اللغة الإنجليزية في وقت مبكر في المدارس، حيث أعلنت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء- سطات، أخيرا، أنها ستبدأ برنامجا تجريبيا لتدريس اللغة الإنجليزية في الصف السادس الابتدائي ابتداء من السنة الدراسية 2024–2025.
في الحاجة إلى مراجعة الاتفاقيات
استغرب متتبعون استمرار الوزارة في تزويد مدارس البعثات الأجنبية بالمدرسين رغم الخصاص الكبير المسجل في السنتين الأخيرتين في المواد اللغوية. فقد نظمت وزارة التربية الوطنية مباراة لانتقاء أفضل الأساتذة لتدريس مواد مختلفة، وخاصة اللغات، لفائدة هذه المدارس. فرغم الأزمة الديبلوماسية التي تعصف بالعلاقات المغربية- الفرنسية، ماتزال الوزارة مصرة على تطبيق اتفاقيات التعاون «الثقافي» التي تجبر المغرب على توفير مدرسين، علما أن وزارة الخارجية الفرنسية، التي تشرف مباشرة على هذه المدارس، عبر قنصلياتها وسفارتها، قامت بسحب أغلب المدرسين الفرنسيين، ما يعني أن مدارسها في المغرب تشتغل بأطقم تربوية مغربية، يضاف إلى هذا ارتفاع رسوم التسجيل وأسعار التمدرس.
ويرى متتبعون أن المغرب في حاجة إلى مراجعة الاتفاقيات التي تعطي للمدارس الأجنبية هذه الامتيازات، والمتمثلة في استقطاب أفضل المدرسين، لكون هذه المدارس تضخ ما يناهز 3 ملايير أورو على الخزينة الفرنسية سنويا، ما يعني أنها مدارس استثمارية بالمعني الاقتصادي المباشر للكلمة، ولا علاقة لها بـ«التبادل الثقافي»، وهي الحقيقة التي تضمنها مقال نشرته قبل مدة الجريدة الفرنسية الشهيرة «لوفيغارو».
ففي وقت وصلت نسب الاكتظاظ إلى مستويات قياسية بسبب استمرار ارتفاع نسب المحالين للتقاعد، وعدم قدرة الحكومة على تعويض كل المتقاعدين، فإن تحويل مئات المدرسين للعمل في هذه المدارس يكرس الخصاص المسجل، فضلا عن أن المنظومة الوطنية لا تستفيد من الأطر الذين يتم التخلي عنهم لفائدة هذه المدارس. ويتعلق الأمر، كما سبقت الإشارة، بالمدارس الفرنسية، التي يتجاوز عددها في المغرب 40 مدرسة، موزعة بين الأسلاك التعليمية الثلاثة، وأيضا المدارس البلجيكية وعددها يتجاوز 10 مدارس، وكذا المدارس الإسبانية وعددها أيضا 10 مؤسسات.
تبعية هذه المدارس للسفارات الأجنبية تجعلها فوق المحاسبة، وتمت ملاحظة كيف تمادت هذه المدارس في ارتكاب أخطاء كثيرة، بعضها تمس الجانب الأخلاقي، مثلما حدث في ثانوية شهيرة بالقنيطرة، والتي تصر على تدريس مواد تشجع على تغيير الجنس والمثلية الجنسية، والخطأ الجسيم الذي ارتكبته ثانوية أخرى تابعة لفرنسا أيضا تدرس خريطة المغرب مبتورة. والأمر نفسه بخصوص المدارس البلجيكية التي ما فتئت تخلق ضجات بسبب اعتمادها أفكارا مسيحية لا علاقة لها بعقيدة المغاربة، آخر فصولها منع تلميذة في مراكش من ارتداء الحجاب